recent
موضوعات

أسرار التحنيط فى مصر القديمة

 

معرفة التحنيط  

لقد اعتاد المصرى القديم في عصور ما قبل التاريخ أن يضع جسد الميت في قبور ليست عميقة ، فقد كان الجسد قريب من الرمال السطحية التي تتعرض للشمس الحارقة حيث كان ينتج عن ذلك جفاف الجسد ، نتيجة امتصاص الرمال للسوائل الموجودة به مما يؤدى إلى عدم تكائر الميكروبات فيظل الجسد محتفظًا بكيانه فترة طويلة،فكان هذا الأمر بداية التفكير والملاحظة التي سجلها المصرى القديم لما يحدث لجسد الميت .

 

ثم لاحظ بعد ذلك استمراراحتفاظ الأسماك بجسدها بعد تجفيفها وإضافة الملح لها وتطورت لديه الفكرة بأن قام بنزع أحشائها فزادت مدة بقاء الأسماك فترة طويلة ، فكان هذا الأمر هو الأساس الذى بنى عليه فكرة تحنيط الجسد بعد الوفاة ، ثم واصل البحث والدراسة لعلوم الطب والكيمياء حتى توصل إلى التحنيط الكامل

 

 معنى كلمة تحنيط : 

هو الحفاظ على الجسد ، وقد أُطلقت كلمة " وت " أو " وتى " على الحفاظ على الجسد في مصر القديمة ، وقد قصد المصريون بها مرحلة التكفين فقط وهى لف الجسد بالكتان ، أما كلمةmummification  فهى كلمة لاتينية مشتقة من الفارسية وتعنى مومياء،وكلمة ايمبلمنج embalming فهى تدل على المادة المستخدمة فى التحنيط وهى البلسم والتي تم استخدامها فى العصر الإغريقى ، ولفظ التحنيط جاء فى اللغة العربية من لفظ الحنوط وهى المواد العطرية المستخدمة فى التكفين واشتق منها لفظ حانوطى " حانوتى " الشخص القائم على تكفين الميت .  

 فلسفة التحنيط : 

اعتقد المصرى القديم أنّ الموت نوعان ، الأول أن تفارق الروح البدن إلى عالم الأرواح وهوعالم آخر لا ينتهى وهو مرحلة بين مرحلتين أي الانتقال من حياة إلى حياة أُخرى ، أما النوع الثانى فيقصد به فناء الجسد وتحلله،ولم يهاب المصرى القديم الموت الأول ولكن كان يرى الموت الثانى عائقًا يحول بينه وبين العبور إلى العالم الآخر ، واعتقد المصرى القديم أنّ الإنسان مخلوق من المادة وهو الجسد ، والروح وهى الجوهر .

 

وقد ورد فى أحد نصوص الأهرام أنّ الروح مستقرها السماء بينما الجسد على الأرض وأنّ الموت هو مرحلة انتقالية ،حيث تخرج الروح من الجسد لفترة زمنية وتعود إليه مرة أُخرى عند الدفن لتوضح له الطريق ورحلة العالم الآخر وتبقى الروح فى السماء ولذلك يُعد مفهوم التحنيط هو الحفاظ على مادة الجسد من التحلل والفناء ومساعدة الروح للاستقرار فى الملكوت السماوى .

وقد قسم المصرى القديم المادة إلى أربعة أجزاء أو عناصر رئيسة وهى الجسد " الغت " ، والقلب " اب "، والاسم " رن " ، والظل " شو " ، أما الجوهر فقد قسمه إلى ثلاثة عناصر وهي القرين " الكا "، والروح " البا " ، والنورانية " الأخ " ، ويوجد ثلاثة أماكن ارتبطت بحفظ أجساد المتوفين في مصر القديمة كما جاء في بعض نقوش المقابر وأغطية التوابيت وهى المكان الطاهر " وعبت " وهو بالبر الغربى وقريب من المقابر .

 

وقد وصفته في بردية آنى بالمتحف البريطاني وترجع إلى القرن الثالث عشر ق.م ، وهو عبارة عن ثلاثة أقسام من الداخل الأول لغسل الجسد والثانى لتجفيف الجسد،والثالث خاص بلفائف الكتان ، ومكان يُطلق عليه ايبو عبارة عن مبنى من الأخشاب وسعف النخيل ومن المرجح أنّه مرتبط بمصدر المياه ، مكان آخر أُطلق عليه بر نفرت أي البيت الجميل من المرجح أنّه مرتبط بالدهانات والعطور ولفائف الكتان ، وربما يُعّد هذان المكانان ضمن أجزاء الوعبت وهو المكان العام للتحنيط 


عملية التحنيط : 

في البداية يقوم أحد الكهنة بالترتيل من بردية يمسكها بيده ويُطلق عليه " غرى – حبت " أي الكاهن المرتل حيث يقرأ خطوات عملية التحنيط  ، أما الشخص القائم بالتحنيط فيرتدى قناع الإله أنوبيس لإله التحنيط ولقبه " امى ورات " ومعناه المشرف على التحنيط ، وأيضًا الكهنة المساعدون وهم " وتو " أي المكفنون ، وسيد مكان التحنيط  وهو " كاهن حور " ومهمته صب الدهون والزيوت فوق الجسد ويرتدى قناع الإله حورس ، وكاهن آخر يسمى " سيشمو " مهمته لف الجسد باللفائف .

 

بعد الوفاة : 

يقوم أهل الميت بحمل جسده إلى مكان التحنيط القريب من الجبانة ،ويتم الاتفاق مع رئيس " الغيت " مكان التحنيط بتزويدهم بكل المعلومات عن المتوفى واختيار الطريقة المناسبة لهم لتحنيطه ودفع التكاليف ، والهدف من هذا الأمر هو تحديد هوية المتوفى حتى تتعرف الروح على صاحبها وعدم ضياع فرصته فى الإلتحاق بحقول الإيارو ، وعدم اختلاط الجثث بعضها ببعض بمكان التحنيط .

طرق التحنيط : 

تنوعت طرق التحنيط بتنوع الطبقات الاجتماعية وحالتها المادية ، ويقوم رئيس المحنطين بعرض ثلاثة نماذج خشبية على أُسرة المتوفى لإختيار نموذج واحد، والنماذج الثلاثة هي كالآتى : 1- النموذج الكامل ويتم فيه تطبيق جميع خطوات التحنيط واستخدام مواد التحنيط المستوردة ذات الجودة العالية ، وتتم الطريقة باستخراج أنسجة المخ وباقى الأحشاء .

 2-  نموذج الطبقة الوسطى ويتم استخراج الأحشاء من خلال حقنة شرجية مملوءة بزيت الأرز، ويُجفف الجسد ويُدهن ويُلف بلفائف الكتان وفى هذه الطريقة لا يتم الاهتمام بالحفاظ على أعضاء الجسد الداخلية .

3- نموذج الطبقة الدنيا وفى هذه الطريقة لا تُستخرج أحشاء المتوفى ولا المخ ،ويقتصر التحنيط على تجفيف الجسد ودهنه ولفه باللفائف . 

 

مدة التحنيط : 

اختلفت مدة التحنيط فى النصوص والبرديات فبعضها ذكر المدة بثلاثمائة يوم ، وبعضها لم يتجاوز أربعون يوم ، ومن أقدم النصوص النص المدون بمقبرة الملكة " مرس – عنخ " الثالثة بالجيزة ، ويوجد بعض النصوص من منتصف الأسرة الثامنة عشر من عصر الملكة حتشبسوت والملك تحتمس الثالث أحد هذه النصوص بمقبرة جحوتى ، ونص أخر بمقبرة انتف فى طيبة حيث توجد بهما المدة المخصصة للتحنيط وهى سبعين يوما .

 

وفى العصر البطلمى يوجد نصان آخران يتطابقان مع نصى الدولة الحديثة حيث جاء على لوحة لأحد كهنة العصر البطلمى"دفنة جيدة اكتملت بعد سبعين يومًا من تحنيطه "، والنص الأخر على لوحة بالمتحف المصرى لشخص يسمى " انى –ام – حر " وتضم تاريخ الوفاة وتاريخ دخول موقع التحنيط والفترة التي يتم فيها دهن الجسد ولفه باللفائف وتاريخ الدفن واجمالى هذه التواريخ والمدة سبعين يوما,

 

ويُحدد سفر التكوين فى الإصحاح الخمسون المدة الزمنية للتحنيط :" وأمر يوسف عبيده الأطباء أن يحنطوا أباه . فحنط الأطباء إسرائيل . وكمل له أربعون يوما . لأنه هكذا تكمل أيام المحنطين ، وبكى عليه المصريون سبعين يومًا . وبعد ما مضت أيام بكائه كلم يوسف بيت فرعون قائلًا ان كنت قد وجدت نعمة فى عيونكم فتكلموا فى مسامع فرعون قائلين . أبى استحلفنى قائلُا ها أنا أموت . فى قبرى الذى حفرت لنفسى فى أرض كنعان هناك تدفننى . فالآن أصعد لأدفن أبى وأرجع . فقال فرعون اصعد وادفن أباك كما استحلفك . "

 

ومن المرحج أن فترة أربعين يومًا هي لتجفيف الجسد من السوائل ، حيث أن سيدنا يعقوب دفن بعد سبعين يومًا ، وهكذا تتفق معظم النصوص على أنّ المدة الزمنية للتحنيط كانت تستغرق سبعين يومًا فيما عدا بعض النصوص التي لم يتفق العلماء على صحتها

 

الألهة المرتبطة بالتحنيط : 

ربط المصريون التحنيط بثمانية آلهة وردت أسمائهم في اسطورة ست وأوزوريس وهم : 1- اوزوريس أول جسد محنط ، 2- ايزيس : قامت بتحنيط  زوجها بمساعدة الالهة ودفنته ، 3- نفتيس : أُخت أوزوريس الذى ظلت تبكيه وساعدت زوجته في مراسم التحنيط والدفن ، 4- أنوبيس : إله التحنيط الذى أرسله الإله رع ليساعد إيزيس زوجة أُوزوريس في جمع أشلاء زوجها وإعادة دفنه، 5- أولاد حورس الأربعة : جاءوا في مراسم تحنيط اوزوريس بناء على أوامر الإله أنوبيس .

فما حدث في قصة إيزيس وأُوزوريس هو نفس ما يتم إجراءه لكل متوفى في مصر القديمة مع تغيير بسيط في بعض المهام واستبدال الألهة بالكهنة ، وانّ الألهة المذكورة في الأسطورة لها دوركبير في عملية التحنيط  .

 مراحل التحنيط : 

 المرحلة الأولى : هي تنظيف الجسد حيث يتم وضعه فى حوض مملوء بالماء لغسله وتنظيفه ، وقد ظهر ذلك فى مقبرة جحوتى بالبرشا حيث تصور صاحب الجسد فى عملية الغسل والتطهير ، وغطاء تابوت السيدة " موتن – جبتيو " المحفوظ بالمتحف البريطاني من عصر الأسرة الثانية والعشرون ومصور عليه أوضاع الغسل راقدًا وواقفًا ويُشاهد الجسد باللون الأسود ويقف على اليمين واليسار كاهنان يمسكان بأوانى فيها مياه يتم صبها على الجسد .

 

المرحلة الثانية : نزع المخ والأحشاء حيث علم القائم بالتحنيط أن أسباب تحلل الجسد هو وجود السوائل به حيث تعيش عليها البكتريا، فقام بتجفيف الماء ونزع الأحشاء لعلاجها وتجفيفها . 

نزع المخ : 

يتم نزع المخ من خلال العظمة المصفوية أو من فتحة خلف العنق ، واستخدم المحنط ألة نحاسية طويلة معقوفة تشبه صنارة الصيد طولها حوالى 40 سم ، تُحشر داخل الجمجمة ويتم تحريكها حتى بقطع نسيج المخ إلى قطع صغيرة يسهل إخراجها من فتحتى الأنف ،ويُساعده فى إخراجها سكب مياه أو نبيذ البلح ، وقد عُثر على أوانى تحتوى على نسيج المخ كانت توضع فى جراب جلدى يُسمى " تكنو "أو كانت تُوضع فى أوانى فى المقبرة مع المتوفى  .

إستخراج الأحشاء : 

بعد الإنتهاء من معالجة الرأس يقوم بانتزاع  الأحشاء لمعالجتها ، ويتم نزع الأحشاء من الجانب الأيمن من البطن ويقوم بإخراج الرئتين والقلب والمعدة والأمعاء والكبد والكليتين ، ثم تُوضع فى ملح النطرون فترة زمنية ثم تُدهن بزيت الأرز وفى النهاية تُلف بالكتان وتُوضع فى آنية مخصصة تسمى الأوانى الكانوبية فيما عدا القلب والكليتين حيث يُعاد القلب داخل الجسد بعد معالجته ، أما الكليتين فلم يتوصل بعد لسبب إرجاعها للجسد بعد المعالجة ، وكان يوضع لهذه الأعضاء بعض مواد التحنيط .

أولاد حورس الأربعة - شكل الغطاء - العضو المحفوظ

 امستى  -  آدمى   -  الكبد

 حابى   -  قرد    - الرئتان

دوا موتف  - ابن آوى  - المعدة

قبح سنوف  - صقر  - الأمعاء

 

المرحلة الثالثة : وضع مواد الحشو داخل تجويف البطن والصدر بعد تفريغ الأحشاء على مرحلتين الأولى قبل التجفيف ،والثانية بعد التجفيف ، وتنقسم مواد الحشو إلى نوعين مؤقت ودائم ، أما مواد الحشو المؤقتة يتم إزالتها بعد التجفيف والدائمة توضع داخل جسد المتوفى وتظل بداخله لحفظ الجسد والمساعدة فى قتل البكتريا .

 

ويوجد أنواع ثلاث من لفائف الكتان التي كانت توضع فى الجسد قبل التجفيف ،لفائف كتان بها ملح النطرون لامتصاص الماء من الجسد ، لفائف كتان نقية لامتصاص السوائل الباقية ، لفائف كتان بداخلها مواد عطرية لتعطير الجسد وكانت توضع فى آنية مخصصة بعد نزعها .

 

وفى عام 1957م تم العثور على الآنية التي تضم مواد الحشو المؤقتة فى أرض النعام بالمطرية وتؤرخ بعصر الدولة الحديثة وقام بتحليلها المرحوم زكى إسكندر وتبين أنها عبارة عن مسحوق ملح النطرون داخل لفافات كتانية مغموسة بالراتنج الصمغى ، كتان فقط مغموس برلتنج ، قش وبقايا نباتية ، مسحوق رمل الكوارتز  .

 

والحشو الدائم عبارة عن ملح النطرون ونشارة الخشب العطرى والمروالقرفة ولفائف الكتان المغموس بالراتنج الصمغى مع بصلة أو اثنين ، وهناك نوع ثالث من مواد الحشو ظهر بشكل مفصل فى أواخر العصور المصرية القديمة فى القرن الحادى عشر ق.م وهو مواد الحشو تحت الجلد والهدف منها إعطاء الجسد خصائصه وملامحه عندما كان صاحبه حيا حتى يستطيع ان يصل إلى العالم الآخر دون نواقص تشوبه أي ذات جسد مكتمل حتى تستطيع الروح أن تتعرف عليه .

 

وكانت توضع مواد الحشو تحت الجلد فى الطبقة الوسطى بين البشرة الخارجية والطبقة الدهنية التي تسمى الطبقة الوسطى " الأدمة " وتضمنت هذه المواد الطين والكتان والرمال ونشارة الخشب ومواد دهنية " زبدة وصودا "وكانت تُحشى فى أماكن كثيرة من الجسد من خلال فتحات يقوم بها المحنطون فى الذراعين والساقين والظهر والرقبة والوجه والثديين فى النساء

 

 رابعًا التجفيف : 

من المراحل الرئيسة لحفظ الجسد والتخلص من الماء وبقايا الطعام ، حيث يتم وضع كمية كبيرة من ملح النطرون على جسد المتوفى وتستمر لمدة أربعين يومًا استنادًا على ما جاء بالكتاب المقدس في شأن تحنيط جسد " إسرائيل " سيدنا يعقوب والوارد في سفر التكوين ،الإصحاح الخمسين ،وملح النطرون هو العامل الوحيد للتجفيف ويطلق عليه في النصوص المصرية " نشرى ".

 

ويلاحظ أنَّ الجسد كان يوضع أثناء التجفيف فوق سرير من الحجر مائل  به قناة ذات ميول لمرور الماء المتخلفة من الجسد أسفل القدمين وتتجمع في حوض حجرى أسفل هذا السرير ، ويحتفظ المتحف المصرى بمثال لهذا السرير تم اكتشافه من قبل عالم الآثار الأمريكي وينلوك ، وبعد انقضاء مدة التجفيف يتم إزالة ملح النطرون وعلاج تغيرات الجسد .

 

 المرحلة الخامسة :  

يتم صب الزيت والدهون لعلاج جميع التغيرات التي حدثت بعد عملية التجفيف من خلال الزيوت والدهون التي يتم استيرادها من لبنان مثل زيت الأرز ، وقد عُثر على إناء صغير من الألباستر في مقبرة الملك توت عنخ آمون منقوش عليه كتابة تقرأ ترجمتها رتنج العش وهو سائل أبيض مستخلص من شجرة الأرز . 

 

وقد ورد في بردية من العصر المتأخر وهى بردية بولاق رقم 3 بالمتحف المصرى تركيبة دهان يُدهن بها الرأس ،بالإضافة إلى راتنج ، والنطرون بنسبة 2: 1: 1 ، كذلك توجد بردية محفوظة بمتحف اللوفر ورد بها أسماء لبعض الدهون والزيوت مثل الراتنج ، وزيت الرز ، ودهون نباتية ، ودهان يسمى " مرحت " ، والكندر " لبان دكر " ، وزيت التربنتينا ، وشمع العسل ، وبعد الإنتهاء من وضع الزيوت والدهون يتم اغلاق فتحات الجسد التي تم من خلالها استخراج الأحشاء وحشو التجويف الداخلى ، وتتم عملية الغلق باستخدام الكتان أو شرائح نحاسية وذهبية . 

 

المرحلة الأخيرة " التكفين "

بعد صبغ الوجه ووضع الباروكة والصندل والحلى لجسد المتوفى يقوم الكاهن " سشمو " بوضع الكتان ولف الجسد بالأكفان في مدة أسبوعين ، ومع كل لفة يقرأ تعويذة من كتاب الموتى ، وصوَّرت بعض مقابر الدولة الحديثة بالبر الغربى بالأقصر مراحل التكفين مثل مقبرة " سن – نفر ، ومقبرة " آمون - محاب " .

 

وهى كالآتى : وضع قطعة كتان كاملة من الكتف مرورًا حول الرأس ، وقطعة كتان أسفل الذقن معقودة أعلى الرأس ، ولف الذراعين ابتداءًا من الكتفين وربطهما بالجذع ، ومد لفائف الكتان أسفل الرأس حتى الساقين والقدمين وذلك حتى يمكن لف بقية الأطراف مع الجسد ، ويتم وضع الذراعين في وضعهما النهائي حسب المكانة الاجتماعية للمتوفى ،وفى النهاية يتم وضع القناع على وجه المتوفى ، ويقوم المشرف على التحنيط بقراءة وتلاوة التعاويذ من كتاب الموتى ، ثم تبدأ بعد ذلك إجراءات دفن الجسد المحنط . 

مواد التحنيط : 

نشارة الخشب العطرى " العرعر والصنوبر " عُثر عليها بمقبرة " آبى " بالدير البحرى من القرن العشرين ق.م ، دهن عطرى عُثر عليه بسقارة من القرن الثامن ق.م ، راتنج عُثر عليه بتابوت " ورت " من القرن العشرين ق.م ، خليط من الزفت والراتنج ويعود إلى القرن الثامن ق.م ، بقايا مواد عطرية عُثر عليها بمقبرة " آمون – تف " من القرن الخامس ق.م ، لفافة من الكتان بداخلها ملح النطرون عثر عليها العالم الأمريكى "ونلوك" بالبر الغربى وتعود للقرن الخامس عشر ق.م ، زيت التربنتينا المستورد من جزر كيبوس باليونان وعثر عليه بأحد التوابيت بميت رهينة .

 

الأدوات المستخدمة في التحنيط : 

فرشاة مصنوعة من سعف النخيل وطولها 10سم ، مقص برونزى طوله 6,8سم ، ملقاط طوله 7,5سم ، مخرازان أحدهما بيد خشبية والأخر بدون ، إبرة برونزية بخيط كتانى ، إزميل برونزى ، جفت برونزى بمحبس ، سباتيولا من البرنز طولها 13,5 سم ،ملعقة برونزية ، مشرطان أحدهما طوله 17سم والأخر طوله 14,7سم  حيث وجدت هذه الدوات ضمن مخلفات التحنيط داخل وخارج المقابر .

 

التمائم : 

لم يقتصر التحنيط على المعالجة الطبية لجسد المتوفى فقط ، لكن كان يجب أن توضع تمائم وأحجيات عبارة عن أشكال صغيرة تُعلق في أماكن مختلفة من الجسد بقصد عدم تحلله وفساده ، وتكون لهذه التمائم قوى سحرية ناتجة عن قراءة الصيغة المكتوبة عليها ، وتأخذ التمائم أشكلًا مختلفة سواء أشكال إلهية أو حيوانية أو بعض أعضاء الجسم البشرى ووضع رموز دينية لها دلالات ومعانى عند المصرى القديم .

 

مثل تميمة الإله أوزوريس والذى يُعّد أول جسد محنط في تاريخ مصر القديمة ، وتميمة أبناء حورس الأربعة لحماية أحشاء المتوفى ، وتميمة الإله أنوبيس لحماية الجسد والمقبرة ، وتميمة الإلهة إيزيس ونفتيس ، وقد زادت التمائم في أواخر العصور المصرية القديمة نتيجة لسيطرة الكهنة على الفكر والعقيدة.

 

جعران القلب : 

عبارة عن حجر على شكل جعران يوضع فوق عضلة القلب ويكتب عليه تعويذة رقم 3ب من كتاب الموتى حيث يخاطب المتوفى قلبه قبل المحاكمة " يا قلبى الذى ورثته عن امى ..، يا قلبى الذى ورثته عن امى .. لا تصبح شاهًدا ضدى ولا تقل زورًا فى المحاكمة ... وهذا النداء المسجل على جعران القلب يعود لأهمية القلب عند المصريين بصفته موضع النية والعمل  

 

عين حورس السحرية " عين وجات " :

وتوضع فوق فتحة التحنيط الموجودة في البطن لمنع دخول الأرواح الشريرة إلى الجسد وتوضع معها تميمة صغيرة على شكل اصبعين باللون الأسود للمساعدة على لصق جانبي الفتحة معًا .

 

تميمة عنخ وعمود الجد : 

رمزا الخلود والحياة ويُعّد عمود الجد من أشهر التمائم التي عُثر عليها في المومياوات ، وكان يعلو عمود الجد أربعة خطوط اُفقية تتعامد أعلاه ويرى البعض أنه يمثل جذع الشجرة التي حوت تابوت أُوزوريس بعد إلقائه فى النهر أو أنه يمثل العمود الظهرى للإله أوزوريس كما جاء بكتاب الموتى " كلمات تتلى فوق عمود ال" جد " الذهبى ، المثبت فوق جذع الجميز .. ويوضع فوق حلق المتوفى يوم الدفن " . 

 

تميمة درجات السلم : 

وترمز إلى صعود المتوفى إلى السماء وهى رمز للبعث بعد الموت .

 تميمة الضفدعة : 

ترمز إلى الإلهة حقات مساعدة الإله خنوم في خلق البشر .

 تميمة حزام التيت : 

يمثل هذا الحزام الإلهة إيزيس ويصنع من مادة حمراء رمز دم الإلهة إيزيس ويوضع فوق حلق المتوفى مثل عمود الجد حتى تقوم إيزيس بحماية جسد المتوفى .

وتوجد تمائم خاصة بحفظ الجسد من التحلل وإعادة الميلاد ولكل تميمة قوة حماية خاصة ومكان مخصص في جسد المتوفى وتركزت ألوانها في اللون الأخضر والأزرق وهما يرمزان إلى إعادة الميلاد والبعث في العالم الأخر.

 

وتُعّد الأسرة الواحد والعشرون فى أواخر القرن الحادى عشر ق.م من أهم العصور المصرية القديمة فى حفظ أجساد الموتى ، حيث تم إضافة مراحل تحنيط جديدة لم تكن موجودة من قبل ، فقد أعاد المحنطون النظر فى خطوات وطرق التحنيط حتى يظل الجسد كاملًا كما كان فى الحياة وإيقاف تغير شكل الجسد وخصائصه مثل فقدان العيون وتغير لون الجلد ، والحفاظ على أحشاء الجسد التي تحللت عندما وضعت منفصلة فى آنية مخصصة لها .

 

ويحتفظ المتحف المصرى بثمانية أجساد من الأسرة الواحد والعشرين تُعّد مثال جيد لما شهده مجال التحنيط من تقدم وتطور فى ذلك العصر وهى زوجتا الملك با – نجم الأول وهما السيدة نس – خونس ، والسيدة حنوت – تاوى  ، ابنة الملك با –نجم ، الأميرة ماعت – كا رع ، والملك با – نجم  الثانى وزوجته استمخب وابنته نست – نب – تشرو ، تابو – حرت زوجة كبير الكهنة ماساهرتى ، جد – بتاح – ايوف – عنخ  ، كبير كهنة آمون ماساهرتى .

 

حيث تم صبغ وجه المتوفى بشكل يماثل الواقع فقد اختاروا لونين لأجساد الرجال والنساء وهما الأحمر الداكن " الخمرى " للرجال ، والأصفر للنساء بالإضافة إلى وضع لمسات التجميل التي كانت النساء تضعها فى الحياة اليومية مثل صبغ الشفاة والخدود بالأحمر وتخطيط الحاجبين باللون الأسود ، أيضا قام المحنطين بمعالجة العينين حيث قاموا بنزع العينين ، ووضع عيون صناعية بدلًا منها مصنوعة من الحجر الجيرى الأبيض وفى وسطها إنسان العين الأسود لكى تبدو طبيعية .

 

كما قامو بحشو صدر المرأة بالكتان وأيضا الحشو تحت الجلد التي ظهرت فى منتصف الأسرة الثامنة عشر مرة واحدة واختفت ثم عادت للظهور مرة أُخرى فى الأسرة الحادية والعشرين ،وتم إعادة الأحشاء إلى جسد المتوفى  ولم يلغ الأنية الكانوبية ولكن تركها بجوار المومياء كرمز وعُرف يحافظ عليه ، لذلك أطلق الباحثون على التحنيط فى هذا العصر بالتحنيط الكامل لما وصل إليه الجسد المحنط من شكل مثالى كما كان فى واقع الحياة  .

المراجع : 

- أحمد صالح : التحنيط  ، فلسفة الخلود فى مصر القديمة ، الطبعة الأولى ، 2000م

- أحمد محمد عبد العال الريس : التحنيط فى مصر القديمة ،  القاهرة ، 2012 م

-  ألفريد لوكاس : المواد والصناعات عند قدماء المصريين ، القاهرة 1945م 

- أدولف ارمان :مصر والحياة المصرية في العصور القديمة ، القاهرة ، 1993م

- جورج بوزنز وآخرين : معجم الحضارة المصرية القديمة ، القاهرة ، 1996م

- حسن كمال :  الطب المصرى القديم ، القاهرة ، 1998م

- حافظ عجينة : التحنيط عند  القدماء المصريين ،  كلية السياحة والفنادق ، 2009 م

- حى راشيه : الموسوعة الشاملة للحضارة الفرعونية

- خزعل الماجدى : الدين المصرى ، الطبعة الأولى ، 1999 م

- دومينيك فالبيل : الناس والحياة في مصر القديمة ، القاهرة ،2001

- داليا ميلاد فرج : أدوات الزينة القبطية في مصر ، جامعة حلوان ، 2008م

- سمير غريب : موسوعة الحضارة المصرية القديمة ، الطبعة الأولى ، 2000م   

- نبيل عبيد : الطب المصرى في عهد الفراعنة ، القاهرة ، 2004م

المراجع الأجنبية :

- Borghouts, papyrus leiden I 348 in omro 51 , 1971                

 - J.H Breasted, the edwin smith surgical papyrus , vol. 1 , chicago , 1930

- J.Gardner,wilknson.,Manners and customs of the ancient egypians ,vol.1, new york

- J.Gardner,wilknson.,Manners and customs of the ancient egypians ,vol.11, new york

- J.A .Filer, if the face fits …a comparison of mummies &their accompanying portraits using computerized axial tomography,portraits&masks , burial customs in roman egypt , britain , 1956.

- J.G.Wilknson , ancient egyptians their life and customs , london , 1988

R. Ruiz , daily life in ancient egypt , london , 4004  -

- W. M . Flinders , petrie., the arts and crafts of ancient egypt,london ,1910

author-img
نشأت للمعلومات التاريخية والأثرية

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent