recent
موضوعات

الطب فى مصر القديمة

 

 

الطبيب المصرى في العصور القديمة : 

ازدهرت فنون الطب فى مصر القديمة ازهارًا كبيرًا ، وتبوأ الطبيب المصرى مركزًا مرموقًا ، وذاع صيت الكثير من الأطباء ليس فى مصر فقط بل فى العالم المحيط ، حيث طلب ملوك فارس  من مصر ارسال بعض الأطباء إليهم لعجزهم عن علاج الكثير من الأمراض التي كانت شائعة لديهم ، وأشارت بعض النصوص المصرية القديمة إلى أن ّ ملوك مصر أرسلوا بعض الأطباء المهرة إلى حكام سورية ، وبلاد ما وراء النهرين ، لعلاجهم هم وأبنائهم بعد أن ذاعت شهرة الطبيب المصرى وتفوقه في هذا المجال .

 

فقد أرسل ملك الحيثيين إلى الملك رعمسيس الثانى بخصوص أُخته التي لا تنجب ، وأجابه الملك بأنّه سوف يُرسل له أفضل الأطباء والأدوية ومن الأطباء الذين تمتعوا بشهرة واسعة الطبيب إمحوتب الذى ظهر فى الدولة القديمة فى الأسرة الثالثة أي منذ حوالى ثلاثة ألاف عام ، وقد وصف المورخ بليونوس الأطباء المصريين  بقوله " لقد ابتدعو فن الشفاء ، واكتشفوا خواص العقاقير " .

 

وبلغت شهرة علم الطب المصرى الآفاق فى العصور القديمة بالشرق الأدنى حيث اشتد الطلب على الأطباء المصريين ، وفى بلاد الإغريق لأن هيبوقراطيس وجالينوس لم يُخفيا أن جزءًا من معلوماتهما جاءت من المؤلفات المصرية التي درساها فى معبد إمحوتب فى منف ، فقد عرف الطبيب المصرى علوم الطب وطرق التشريح ، والتعرف على خصائص وصفات الجسد البشرى ووظيفة كل عضو داخل هذا الجسد ، وتميز ببراعته ودقته فى التشريح دون اتلاف أو إفساد أي عضو أخر أو التأثير على الوظائف الحيوية للجسد . 

 

مصادرالمعرفة عن الطب في مصر القديمة : 

أمدتنا النقوش والمناظر على جدران المقابر والمعابد بالكثير من المعلومات عن الأمراض والعمليات الجراحية والتشريح مثل منظر ختان الذكور في مقبرة "عنخ ما حور" في سقارة ومقابر الأطباء ، وتم العثور على أعداد كبيرة من الأدوات الطبية المستعملة في هذا المجال من خلال الحفر والتنقيب والمحفوظة في بعض المتاحف في مصر وخارجها .

وكان للحفائر المصرية دور مهم فى إثراء هذا الموضوع من خلال الإكتشافات التي  ساهمت فى إلقاء الضوء على تطور النظام الطبي والجراحى فى مصر القديمة ، مثل جراحات بتر الأرجل والأيدى المعطوبة التي تؤدى إلى تلف الجسد والموت ،كما أوضحت ما يتمتع به الطبيب المصرى من مهارة وعلم لوقف النزيف وعلاج الأوردة والشرايين، فقد عُثر على هياكل عظمية بها آثار كسور تم علاجها لعدد من العمال ، وتم الكشف عن  وجود عدد من الأطباء بالموقع الخاص ببناء الأهرامات بالجيزة كان دورهم الرئيس هو علاج العمال والفنيين . 

 

وتُعد البرديات من أهم مصادر المعرفة التي تناولت موضوعات الطب في مصر القديمة  ومنها بردية اللاهون ، وبردية هرست ، وإبرس وبرلين ، وإدوين سميث ، وبردية لندن ، وليدن ،وكارلسبرج ، وشستر بيتى ، وهذه البرديات تحتوى على كثير من المعلومات عن الأمراض الشائعة والوصفات الطبية والأعشاب والتعاويذ السحرية والتمائم ضد الأرواح الشريرة .

 

وتم الكشف عن بعض من هذه البرديات التي تتناول موضوعات طبية ومنها بردية أُدوين سميث المحفوظة فى أكاديمية العلوم بنيويورك والمهداة إلى جمعية التاريخ بنيويورك ويرجع تاريخها إلى عام 1600 ق.م ، وقد تضمنت هذه البردية أعمال الجراحة والعلاج لبعض أجزاء الجسم مثل الرأس والرقبة والصدر والثدى ، والكسور المختلفة لعظام الجسم ، وضمت البردية ثمانية وأربعون حالة جراحية .

 

وبردية كاهون من عصر أمنمحات التالث عام 1825ق.م ، وتتضمن هذه البردية أمراض النساء والتوليد ، وكيفية تحديد نوع الجنين وبعض المراهم الطبية ، وعلاج الأسنان،وبردية إبرس التي تُنسب إلى عالم المصريات جورج إبرس الذى ترجمها ويرجع تاريخها إلى الألف الثالث قبل الميلاد ، وتتضمن طب العيون والنساء والباطنة والجراحة والأمراض الجلدية ، كما تضمنت أسماء الكثير من أنواع الأدوية المختلفة ، وبردية تشستر بينى ، وبردية ليدن ، وبرلين وجميعها تتضمن تفاصيل علاجية لأمراض القلب والأوعية الدموية ، ومجموعة من العقاقير الطبية المستخلصة من النبات والحيوان . 

 

العلاج بالأعشاب والنباتات : 

تميز المصريون القدماء ونجحوا فى استخلاص وصفات طبية من الأعشاب والنباتات لعلاح الكثير من الأمراض ، ويشهد بذلك ما تم العثور عليه من هذه الأنواع المختلفة من الأعشاب فى مقابرهم ، وما ورد ذكره فى البرديات الطبية ، وما تم رسمه ونقشه على جدران المقابر ، ومن أمثلة هذه الأعشاب بذورالينسون المغلى لاضطرابات المعدة وزيادة كمية البول ، حيث ذُكر فى بردية هيرست استخدام الينسون لعلاج انتفاخ الأمعاء ، وآلام اللثة والأسنان .

 

واستخدم المصريون القدماء نبات العرقسوس فى علاج أمراض الجهاز الهضمى ، والكبد والأمعاء ، وخاصة قرحة المعدة ، وقد عُثر على جذور العرقسوس فى مقبرة الملك توت عنخ آمون عند اكتشافها ،كما استخدموا الكركديه فى علاج ضغط الدم ومسكن لآلام الرأس وطارد الديدان، واستخدموا بذور الكتان فى علاج البواسير، والجروح والقروح والصلع ، وكمسكن موضعى للالتهابات .

 

واستخدموا البصل فى علاج مرض السكر، وتقوية المعدة،ومنع الجلطات،وتمكن المصرى القديم من استخلاص الزيوت والمراهم من دهن البط والتمساح والثعبان واستخدمهم فى علاج الصلع وتساقط الشعر استخدم المصرى القديم دهن البط والتمساح والثعابين،فى علاج تساقط الشعر، كما استخدموا أوراق الخس وبذور الحلبة لعلاج تساقط الشعر، وزيت اللوزوالخروع فى تقوية الشعر ونموه،وتوصل إلى نبات الصبار كعلاج للجروح والحروق واستخدامه لعلاج الصفراء والإمساك .

 

واستخدم نبات الآس لعلاج التهاب المثانة وتنظيم البول وإزالة آلام أسفل البطن،وقد رسمت فروع هذا النبات على جدران المقابر المصرية فى أيدى النساء،كما عُثر على فروعه فى بعض المقابر المصرية،أمّا الكمون فقد اُستخدم فى علاج عُسر الهضم والمغص المعوى ، والحمى والدودة الشريطية ، ونزلات البرد واستخلصوا منه  المراهم لعلاج الآم المفاصل والعظام 

 

وعرف المصرى القديم تحضيرعصير التوت لعلاج ألم المعدة وعلاج الكحة والسعال، واستُخدم التين كدهان موضعى لعلاج البشرة والبقع الجلدية،و اضطرابات الجهاز الهضمى وطرد الديدان من البطن والأمعاء ومقاومة الالتهابات الصدرية وأمراض القلب،وتسهيل حركة المفاصل،واستُخدم زيت النعناع المغلى لعلاج نزلات البرد والتهابات الشعب الهوائية. 

 

وفى رسالة القلب فى بردية إبرس Ebers " بداية أسرار الطب معرفة حركات القلب ومعرفة القلب ، به أوعية تذهب إلى كل عضو فأينما يضع الطبيب إصبعه سواء على الرأس أو اليدين أو الذراعين أو الساقين أو القلب نفسه أو أي موضع أخر فإنه يُحس بشىء من القلب ، اذ تذهب أوعية من ذلك العضو إلى كل جزء من أجزاء الجسم "،ووصف الأطباء عسل النحل والقشدة واللبن لالتهابات الحلق ،والاستنشاق للحالات الأكثر خطورة ، كما أوصوا بطعام أكثر دسمًا للأمراض الرئوية .

 

وقد عالج المصريون القدماء الكثير من الأمراض الخطيرة باستخدام الخبز المتعفن وهو ما تم اكتشافه مؤخرًا فى العصر الحديث سنة 1928 م على يد العالم الكسندر فلمنج الذى اكتشف أنّ البنسلين مضاد حيوى تأثيره كبير على البكتريا لأن الحقيقة العلمية تقول أن الخبز عندما يتعفن ينتج عنه فطر البينسليوم "penicillium " ومشتق منه البنسلين أشهر مضاد حيوى يُستخدم فى علاج بعض أنواع البكتريا وهذا ما عرفه المصريون القدماء منذ آلالاف السنين . 

كرسى الولادة : 

ابتكر المصرى القديم جهازًا للولادة منذ ما يقرب من 3500 سنة، يشبه الكرسي ، حيث نرى ذلك منقوشًا فى مناظر كثيرة على جدران المعابد على شكل إمراة تجلس على كرسى يتدلى منها طفل ، ومكتوب "مس "ومعناها فى حالة ولادة ، ونقش آخر بالمتحف المصرى لسيدة تجلس على كرسى واضعة يديها على فخذيها. 

أعمال الجراحة في مصر القديمة : 

كان المصرى القديم هو أول من اكتشف الخيوط الجراحية واستخدمها ، حيث وجدت فى كثير من المومياوات ، وتمكن الطبيب المصرى من التعرف على الكثير من الأمراض من خلال المومياوات ومعرفة طرق العلاج وأعمال التشريح والجراحة ، وعُثر فى المقابر المصرية على آلات للجراحة مثل المشرط والجفت وآلات طبية منتوعة .

 

وقد عرف القدماء المصريون حشوا الأسنان بخليط  معدنى كما استعملوا الذهب فى تثبيت الأسنان غير الثابتة ، وكانوا فى بعض الأحيان يثقبون عظام الفك لتصفية الخراريج ، وكذلك عالجوا أمراض اللثة كالخراريج والإلتهابات، وقد قام المصريون بأعمال فى مجال جراحة العظام ،وتتناول الرسالة المحفوظة فى بردية ادوين سميث أمثلة لتلك الجراحة مثل ردود فقرات الظهر ، وانخلاع الفك وبعض الكسور فى عظام الترقوة والعضد والضلوع والأنف والجمجمة 

وقد تمتع الأطباء في مصر القديمة بدقة الملاحظة  وتوصلوا  إلى طرق العلاج الصحيحة ، ولاشك أن الشهرة التي تمتع بها الطب المصرى ترجع إلى وجود مستشفيات مرتبطة بالمعابد فى الفترة المتأخرة من التاريخ المصرى القديم  حيث يتدخل الإله بمساعدة كهنته الأطباء فى علاج الحجاج بما يُشبه المعجزات ،وإعلان حالات الشفاء التي تمت على أيدى حابو " Hapu " وإمحوتب  وسيرابيس  

 

علاج أمراض العيون : 

ترك لنا المصرى القديم الكثير من الوثائق الطبية التي أمكن من خلالها التعرف على ما بلغه الطب من تقدم باهر ،ومدى ما بلغه المصرى القديم من قدرة فائقة على تشخيص الأمراض وإيجاد العلاج المناسب لكل مرض ، فقد عرف فى فترة مبكرة جدًا كيف يُعالج أمراض العيون باستخدام الكحل الأخضر"الملاخيت" كما هو مثبت فى بردية إبرس الطبية منذ الأسرة الأولى تقريبًا ،وقد أبدواعناية كبيرة فى علاج العيون من الغبار ونقص الوسائل الصحية ،وتوجد عدة وصفات لعلاج العيون والجفون وهى خاصة بالرمد الحبيبى وظلام عدسة العين"الكاتاراكتا"وما يسمى بالعشى الليلى  حيث استعملوا له عقارًا من كبد الحيوان ويبدوا أنه كان علاجًا ناجعًا اذ تُستعمل خلاصة الكبد اليوم لعلاج هذا المرض .

 

 دور ملوك مصر في ارتفاع مكانة الطب : 

ذكرت بردية إبرس أن الملك " جر " ، والملك " دن "  كان لهما دور مهم فى الاهتمام بالطب ، وأنّ الملك " عحا " من الأسرة الأولى كان له سابق خبرة ومعرفة بالصيدلة فى معابد مصر السفلى مثل معبد باستت فى محافظة الشرقية ، وكان يوجد كاهن يُطلق عليه كبير الأطباء ،حيث كان تعليم الطب يتم داخل المعابد الكبرى والمدن الكبرى مثل تل بسطة ، وصا الحجر ، وابيدوس  فى مكان أُطلق عليه اسم " بر – عنخ " بمعنى بيت الحياة .

 

وجاء فى بردية " إدوين سميث " و"إبرس " أنّ كاهن المعبودة " سخمت " فى تل بسطة كان يمارس الطب ، وذُكر فى البرديتين السابقتين عبارة " أنّ الأصل فى الطب هو القلب ، وعندما تفحص أي عضو من أعضاء الجسد فانك يجب أن تعلم كثيرًا عن القلب ، ويقول كبير أطباء سايس " صا الحجر " واسمه " وجا حور سنب "  كلفنى الملك أن أهتم بمدرسة الطب وفروعها واختيار أفضل الطلاب للدراسة وتزويدهم بجميع احتياجاتهم المطلوبة . 

 

وكان هناك أيضًا أطباء القصر الملكى الذين تمتعوا بحياة اجتماعية متميزة كما ظهر ذلك في صور مقابرهم حيث تُقدم لهم الهدايا والعطايا من الملوك ومنحهم الأوسمة ، وقد تم تكليف الأطباء بالتواجد في المناجم والمحاجر والمعابد والمقابر والقصور حيث تواجدت أعداد كبيرة من العمال من أجل رعايتهم وعلاجهم من الأمراض التي قد يتعرضون لها أثناء أعمالهم . 

 

شروط الإلتحاق بمدارس الطب : 

كان لابد من توافر مجموعة من الشروط لمن يريد الإلتحاق بمدارس الطب فى مصر القديمة ومنها أن يمتاز بمهاراته العلمية وتفوقه الدراسى ، وأن يكون ممن لديهم الأموال والمعرفة بفنون السحر ومعرفة قواعد الدين  ، وقد أُطلق على الطبيب كلمة " swnw " فى اللغة المصرية القديمة ، ومن الأطباء المشهورين الطبيب " حسى رع " من الأسرة الثالثة وهو طبيب أسنان عُثر على مقبرته في شمال سقارة .

 

المراجع :  

-  ألفريد لوكاس : المواد والصناعات عند قدماء المصريين ، القاهرة 1945م 

- أدولف ارمان :مصر والحياة المصرية في العصور القديمة ، القاهرة ، 1993م

- جورج بوزنز وآخرين : معجم الحضارة المصرية القديمة ، القاهرة ، 1996م

- حسن كمال :  الطب المصرى القديم ، القاهرة ، 1998م

- دومينيك فالبيل : الناس والحياة في مصر القديمة ، القاهرة ،2001

- داليا ميلاد فرج : أدوات الزينة القبطية في مصر ، جامعة حلوان ، 2008م  

- نبيل عبيد : الطب المصرى في عهد الفراعنة ، القاهرة ، 2004م

 

المراجع الأجنبية :

- Borghouts, papyrus leiden I 348 in omro 51 , 1971                             - J.H Breasted, the edwin smith surgical papyrus , vol. 1 , chicago , 1930 .

- J.Gardner,wilknson.,Manners and customs of the ancient egypians ,vol.1, new york.

- J.Gardner,wilknson.,Manners and customs of the ancient egypians ,vol.11, new york.

- J.A .Filer, if the face fits …a comparison of mummies &their accompanying portraits using computerized axial tomography,portraits&masks , burial customs in roman egypt , britain , 1956.

- J.G.Wilknson , ancient egyptians their life and customs , london , 1988.

R. Ruiz , daily life in ancient egypt , london , 4004  -

- W. M . Flinders , petrie., the arts and crafts of ancient egypt,london ,1910.


google-playkhamsatmostaqltradent