recent
موضوعات

الهالة المقدسة فى الفن القبطى وايماءات واشارات المسيح



الهالة المقدسة فى  الفن  القبطى  

الهالة المعنى  اليونانى  لها هو قرص الشمس ، أو ساحة الجرن المستديرة ، أو الترس المستدير ، وعرَّفها القلقشندى بأنها الدائرة التى  تكون حول القمر ، و يُرجع البعض أُصول هالة القداسة إلى آلهة الرومان التى  تم تزيينها بتاج من الأشعة ، أو النجوم ، ثم صارت عادة استخدمها الأباطرة الرومان حتى  بداية ظهور المسيحية.

 حيث كانوا يُصوَّرون دائماً على النقود وعلى رءوسهم  أكاليل  الغار التى تستبدل أحياناً بالتيجان المشعة ، و كانت الهالة تُرسم على شكل  دائرة تُكلّل بها رءوس الأباطرة 
والأبطال .

 وحين اعتنقت  بيزنطة المسيحية  شاعت  تلك  الهالة  بين  المسيحيين ، و لم تكن علامة تقديس ، كما يظن البعض ، فقد كُللّت  بها  رءوس أشخاص  كانوا  أعداء للمسيحية ، وقد فقدت مغزاها فى التصوير الإسلامي .

 ولم تعد سوى عنصر زخرفى ، ظهرت حول رءوس الأشخاص عامة ، حتى من  يُمثّل  منهم  أهريمان إله الشر الإيراني ، أو ساقيات  الخمر فى سوق عكاظ ، بل والطيور أحياناً . 

و يرى البعض  أنّها  تُمَّثل  إكليل الغار الذى  كانت الآلهة  اليونانية  تقدمه  للمنتصرين 
والبارزين ، مثلما  قدمت المعبودة  أثينا  لهرقل عندما  انتصر على أشرس الأسود الذى عانت منه اليونان رمزاً  للجرأة و الشجاعة و النصر .

 وعرفها الإيرانيون فى العصر القديم ، حيث ظهرت بين أتباع مزدك على هيئة  إكليل سماوى من النار ، بينما ظهرت مستديرة  في  فن جندرا  البوذى .

 ونجد الهالات  النورانية  في  صورة  بوذا الصينى ، وأعلى رءوس  حامى العقيدة البوذية  قاجرايانى ، ويعتقد كونل  أنّ  الهالة  إنما تدل فى الحقيقة على عظمة وقوة صاحبها ، 
وليس  لها أية  دلائل دينية ، ويرى أيضاً أنّ الراجح أنّ هذه الهالة كانت ترسم  بغرض  إبراز رأس و وجه  الشخص عن  الخلفية المحيطة  به .

ويرى المرحوم حسن الباشا أنّها لا ترمز إلى أى مظهر من مظاهر القداسة ، فيما عدا تصاوير المخطوطات المسيحية ،  بل ربما المقصود منها هو جذب الأنظار إلى الرسم والزخرفة .

 ويرى البعض  أنّها  استخدمت  فى العصور المسيحية  المبكرة  بشكل  جزافى  لتمييز الأشخاص  البارزين ، أّمّا  استخدام  فنانى  الأيقونات المسيحية  لها  فقد كان محدوداً  فى البداية ، ولكن مع  حلول  القرن  السادس  الميلادى  استخدمت   مصاحبة   للقديسين  ،
 والملائكة ،  بالإضافة  إلى  العائلة  المقدسة ،والهالة فى المسيحية يمكن تعريفها على أنّها  تعنى المجد الإلهى المشع من الإنسان  المصور، وهى تحيط  بالرأس لأن الرأس مركز الروح ، والفكر ، والإدراك .

بينما يرى بعض الباحثين أنّ الهالة مستقاة  من  ظواهر طبيعية  و كونية ،  وأقدم ظهور لها  كان فى فنون الحضارة المصرية القديمة ، و قد انقسمت الهالات التى ظهرت فى مدارس التصوير الإسلامى إلى نوعين .

 الأول الهالة الطبيعية التي أثبت العلم  الحديث  وجودها  حول  الكائنات الحية ، والثانى الهالة المكتسبة التى  يضفيها الفنان على عناصر اللوحة ، ورسمت الهالة الطبيعية بالتصميم  الدائرى ، وهو الأكثر انتشاراً فى المراكز الفنية للمدرسة العربية والمغولية والهندية ، والنارى انتشر فى المراكز الفنية لمدارس التصوير الإسلامي ، فى إيران ،  ووسط  آسيا ،  والهند ، وتركيا ، والعراق ،  ومصر . 

و كان  الهدف من رسم  الهالات  الطبيعية  حول  الأدميين هو التعبير عن خُلق الشخصية التي  يتم  رسمها ، و التعبير عن عواطفها ، ونزعاتها  النفسية ، وميولها وأفكارها ، 
وفى الوقت  نفسه  كان هناك غرض زخرفى ، وكانت  هناك  نماذج لرمزيات  ثابتة  .

 أهم  نماذجها  رسوم  الحكام  التي  كانت  ترسم  حولهم  الهالات بغرض  تأكيد  شرعية  حكمهم ، و النصر الإلهى ، ورسوم  الشخصيات  الدينية  التى تصحبهم  الهالات ، والتى  كان  يُقصد  منها  التكليف  الإلهى ، وابتعد  الفنان  تماماً  في  كل  مدارس التصوير الإسلامي عن  معانى  القدسية .   

                           

يمكن تقسيم الهالة إلى ثلاثة أنواع 

 النوع الأول

هذا  النوع  من  الهالات  ظهر   فى الفن المسيحى ،  فى القرن  الخامس ، و قصر استخدامها  أولاً على الثالوث  المقدس ، وعلى الملائكة ، وأخذت  شيئاً  فشيئاً  تشمل العذراء ، والرسل ، و القديسين ، و الهالة المألوفة  عبارة عن هالة ذهبية مستديرة ، ومحددة باللون الأحمر ، أو البنى ، أو البرتقالى ، أوالأبيض ، أو الأسود .

 حيث رسمها الفنانون  حول  رأس  العذراء  والمسيح ،  وحول  رءوس الملائكة  
 والتلاميذ ، والأنبياء ، والشهداء ، والقديسين ، وظهر  ذلك فى أيقونات القرن الثامن عشر الميلادى ، واستمر استخدام  الهالة  الذهبية  المستديرة  المحددة  باللون الأحمر أو البنى  فى القرن التاسع عشر، فى جميع الأيقونات  .

وقد تميز الفنان " نقولا  تاودورى  الأورشليمى  في آواخر القرن التاسع عشر " برسم الهالة  الذهبية الدائرية  المحددة بشريط زخرفى دائرى باللون البنى ، يحصر بداخله أشكال بيضاوية صغيرة باللون الأبيض .

 مرصعة بالأحجار الكريمة باللون الأحمر، ومعينات صغيرةباللون الأبيض ، مرصعة باللون الأخضر ، متصلة بعضها ببعض عن طريق إثنتين من حبات اللؤلؤ ، صغيرة  الحجم  باللون الأبيض  حول رأس  المسيح  و العذراء .

ويُعد هذا الشكل الزخرفى من الأشكال الجديدة التى ظهرت فى رسم الهالات ، فهو ابتكار جديد و تنوع فى أشكال الهالات ، كذلك رسم الفنان أشعة صادرة من الهالة  تنتشر في  جميع الأنحاء تشبه الشمس ، تخرج منها الأشعة باللون الأخضر الذى يتدرج بين الداكن والفاتح .

 النوع الثانى

عبارة عن هالة مستديرة  حول  رأس المسيح ، بداخلها صليب ، يظهر خلف رأس المسيح ، من الأطراف ، أو هالة مستديرة بداخلها خطوط برتقالية مزدوجة  لصليب خلف رأس المسيح ، وقد أضاف الفنان بعض الحروف داخل الصليب الموجود خلف رأس المسيح، عبارة عن ثلاثة حروف بالقبطى ، فى الجزء العلوى ، والجزء الأيسر، والجزء الأيمن ، تشير إلى اسم السيد المسيح وصفاته .


كذلك ظهرت هالة مستديرة باللون الذهبى ومحددة باللون الأحمر، و مقسمة إلى أجزاء من خلال صليب ذى خطوط مزدوجة ، يحصر بداخله حروف قبطية من أعلى ، وجاءت الهالة مشعة محددة باللون الأبيض بداخلها بعض الحروف أعلى الرأس .

 وأقدم ظهور لهالة الصليب خلف رأس السيد المسيح فى الجزء الأوسط من مصراعى الباب الخشبى لكنيسة القديسة بربارة بمصر القديمة ، ويعود هذا الباب إلى القرن الرابع، ومحفوظ فى المتحف القبطى برقم " 728 ".

النوع الثالث


عبارة عن هالة لوزية ماندورلا  تحيط  بجسد  المسيح ، وظهر هذا النوع  فى بعض أيقونات  القيامة والصعود ، وهى إطار على شكل  اللوزة ، وترمز هذه الهالة اللوزية فى الأصل إلى تلك السحابة التى صعد المسيح  على متنها  إلى  السماء .

 ثم غدت بعد  ذلك  على  مر الأيام  تمثل  رمز تمجيد المسيح ، ثم امتدت إلى  أن أحاطت  أيضاً بصور العذراء مريم فى لوحات صعودها ، وكذا امتدت إلى صور مريم المجدلية  .
وهى تشير فى الفن المسيحى إلى القداسة ،والقوى الروحية ،والمجد الألهى، وربما اشتقت  أو اُخذت من الفن الرومانى ، ولكنها أيضاً وجدت فى الرموز الدينية الشرقية ، وظهرت فى الأيقونات ابتداء من القرن السادس الميلادى فصاعداً في  صور الصعود ، حيث  المسيح  داخل  السحابة  السماوية ، فى أيقونات التجلى .

كما ظهرت  فى الفن  البوذى فى حنية بمعبد بوذى فى باميان  بكشمير مؤرخة بحوالى القرن السادس الميلادى ، وقد ظهرت  في  بعض  صور الأيقونات حيث يقف المسيح داخل هالة  لوزية باللون الأزرق  .

 عبارة عن سحابة لوزية الشكل تتكون من مجموعة سلاسل دائرية باللون الأخضر الفاتح المحددة بالأبيض ، يبرز منها  أجنحة  لعدد من الملائكة  تحمل هذه السحابة ، وبداخلها المسيح  القائم  من  الأموات  صاعداً  إلى السماء.

كما ظهر المسيح داخل ميدالية بيضاوية " مندورلا " عبارة عن سلسلة مضفورة على هيئة معينات باللون الأبيض ، مرصعة بما يشبه الحجر الكريم باللون الأحمر، وتنتهى من أسفل بشكل صليب متساوى الأذرع ذى رءوس مدببة ، ويحمل هذه المندورلا مجموعة من الملائكة  يظهر منهم أربعة على هيئة  طيور مجنحة  بوجوه آدمية.

الإشارات والإيماءات

تتخذ إيماءة البركة أحد شكلين ، إمّا الشكل  الإغريقى الذى  يلمس  فيه  الإبهام  قمة الإصبع  البنصر ، مع  بسط  بقية الإصبع ، أو الشكل  اللاتينى ، حيث  يوضع الإصبعان  الوسطى و السبابة  مقابل الإبهام ، مع بسط  بقية الإصبع  .

وقد رسم الفنان المسيح  يشير بيده اليمنى  ايماءة  البركة ، حيث يلامس إصبع الإبهام الإصبع البنصر والخنصر  مع  ترك السبابة  والوسطى  منبسطاً ،  وهى تشير الى طبيعته اللاهوتية والناسوتية  .

ويشير باليد اليسرى، وذلك من خلال قبض أصابع اليد، وبسط الخنصر والبنصر ، ويلامس الإبهام الأصبع البنصر والوسطى ، وتُرك  أصبع  السبابة  والخنصر مفرودين باليد اليمنى .

ويشير بأصابع  يده اليمنى  إيماءة البركة  التى  تشير إلى علامة  التثليث  أو الثالوث ، حيث يلامس الإبهام إصبع البنصر وباقى الأصابع  مفرودة ، ويضع  يده اليسرى على صدره مفرودة الأصابع ،  واليد اليمنى  يشير بها علامة التثليث  حيث  يلامس  إصبع الإبهام  الإصبع  البنصر .

 وأحياناً  يرسم الفنان  يد تخرج من السماء  تشير بعلامة البركة  أو التثليث ،  حيث يلامس الأصبع البنصر الإبهام   وباقى الأصابع  مفرودة  للتعبير عن الآب ، وهذا الأسلوب من التعبير ظهر فى أزمنة متأخرة للفن القبطى ، وهى من تأثيرات الفن  المسيحى الروسى .

ورسم الفنان  المسيح  باسطاً إصبعه السبابة باليد اليمنى وباقى الأصابع  مقبوضة إشارة إلى الطبيعة  الواحدة  التي  ترمز إلى امتزاج  اللاهوت  بالناسوت  .
  
كما رسمه و يده  اليمنى  تشير  بالسلام ، ويبسط اليسرى  فى وضع  أفقى ، وهو جالس على العرش ، كما ظهر المسيح  صاعداً إلى السماء فاتحاً ذراعيه  إشارة إلى حضن الأب  ضابط  الكل ، حيث  يدعوهم المسيح  إلى الدخول فى مملكة  السماء فى سلام و طُمأنينة ، وهذا المنظر هو تجسيد لاهوت المسيح السماوى  .


المصادر 

القلقشندى ( أبوالعباس أحمد) : صبح الأعشى ، ج 2   ، المطبعة الأميرية ، 1914

المراجع

الباشا (حسن) : فنون التصوير الإسلامى فى مصر ، دار النهضة العربية ، 1973
بكر (رهام سعيد السيد إسماعيل) : الهالة فى التصوير الإسلامي ، كلية الأثار،  2009
حسين (محمود إبراهيم): موسوعة الفنانين المسلمين ، الجزء الأول
خليفة (ربيع حامد) : فن التصوير عند الأتراك الأويغور  ، 1996
سعيد (بولا ساويرس): ديرالعذراء مريم – براموس بوادى النطرون ، 1995
سابا أسبر (الأب): الأيقونة " البنية الداخلية والبعد الروحى " ، القاهرة ، 1992
عكاشة (ثروت): المعجم الموسوعى لمصطلحات الثقافية  مكتبة لبنان ، 1990
عكاشة (ثروت): الفن المصرى القديم، الجزء الثالث، دار المعارف، القاهرة ، 1990
عكاشة (ثروت): موسوعة التصوير الأسلامى ، الطبعة الأولى ، مكتبة لبنان ، 2001
غنيم (محمد أبوالفتوح ): دراسة علمية فى علاج وصيانة العملات الأثرية  ، 2008
مطاوع (حنان عبد الفتاح): الفنون الإسلامية حتى نهاية العصر الفاطمى،  2011
والترز (ك. ك): الأديرة الأثرية فى مصر، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2005

author-img
نشأت للمعلومات التاريخية والأثرية

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent