recent
موضوعات

التطورات السياسية والإجتماعية وأثرها على العمارة الإسلامية فى مصر

عصر الولاة :

 تأسست الدولة الأموية على يد الخليفة الأموى معاوية بن أبى سفيان ، وتم نقل عاصمة الخلافة إلى دمشق ، وعندما تولى مروان بن الحكم الخلافة عرف أهمية مصر بالنسبة للدولة الإسلامية وعين عبد العزيز بن مروان واليًا على مصر ، حيث استمرت ولايته لمدة واحد وعشرين عامًا ، فاهتم بتعميرها وخاصة منطقة حلوان حيث شيد فيها دار الإمارة التي أُطلق عليها القصر الذهبى واستمر بعده عدد من االولاة الأمويين ، وشهدت مصر مرحلة من الاستقرار أدت إلى نهضة صناعية وزراعية صاحبها اتساع مدينة الفسطاط وكثرة المنشآت .

وبعد سقوط الدولة الأموية وقيام الدولة العباسية تم نقل عاصمة الخلافة إلى بغداد ، وانتقل التأثير الثقافي والفنى من التأثير البيزنطى والرومانى والهلينستى إلى التأثير الساسانى والفارسى ، حيث تم تشييد مدينة بغداد ،وتعيين الأمير العباسى صالح بن على واليًا على مصر سنة 132هـ فأسس دارُا جديدة للإمارة بمنطقة الحمراء القصوى المعروفة بمنطقة أبو السعود حاليًا ، ثم أسس مدينة العسكر التي تقع إلى الشمال من مدينة الفسطاط .

وقد انتهجت الدولة العباسية سياسة مختلفة بشأن تولى وعزل الولاة ، خوفا من انفصالهم عن الدولة العباسية وتآمرهم وانقلابهم عليها فأصبحت مدة ولايتهم قصيرة فعاشت مصر وضعًا غير مستقر بسبب كثرة الضرائب والثورات ضد سياسة الولاة العباسيين ،وبالرغم من ذلك فقد ازدهرت العمارة وتم تجديد مسجد عمرو بن العاص ، ويُعّد عصر الولاة مرحلة مهمة لتطور مفهوم العمارة الإسلامية بمصر بالرغم من عدم وجود نماذج معمارية بمفهومها الواضح والمميز كما في حدث في العصور التالية .
فقد كانت العمارة فى العصر الأموى متأثرة بالعمارة البيزنطية ، وفى العصر العباسى ظهر التاثير الساسانى على العمارة الإسلامية ، ولم تكن العمارة الإسلامية في مصر بمعزل عن تلك التأثيرات الفنية التي كانت تحدث للفنون ، ولكن تاثير الفن القبطى كان واضحًا وظاهرًا في الفنون المصرية ، فقد انتهج العرب المسلمين الفاتحين سياسة استخدام أهالى البلاد التي فتحوها فى ممارسة الفنون والصناعات التي أتقنوها وتعلموها .
ولا يوجد لدينا نماذج من آثار عصر الولاة إلا  جامع عمرو بن العاص الذى تم ادخال الكثير من التجديات والإضافات عليه في الفترات المتعاقبة مما يجعل الحكم عليه من الناحية الفنية منقوص لعدم وجود أية عناصر معماية أوفنية ترجع إلى عصر الإنشاء ، وهناك أيضًا مقياس النيل بالروضة الذى أمر بإنشائه الخليفة العباسى المتوكل .

ويمكن أن نحدد بعض السمات المعمارية التي ميزت تلك الفترة حيث سادت البساطة التصميمات المعمارية خلال العصر الإسلامي المبكر أثناء حكم الخلفاء الراشدين ، وتطورت العمارة نحو الثراء المعمارى والزخرفى في العصرين الأموى والعباسى ، وتأثير الحضارة البيزنطية في بلاد الشام ، والساسانية  في بلاد فارس والعراق  ، فظهر التخطيط التقليدي للمسجد وهو عبارة عن صحن مكشوف يحيط به أربعة أروقة أكبرها وأوسعها رواق القبلة ، وتم استخدام الأجر في مادة البناء واستخدم المحراب في تحديد اتجاه القبلة ، وكذلك المئذنة لرفع الآذان .  


الدولة الطولونية في مصر (254- 292هـ ) ( 868 – 904 م) : 

 أسند الخليفة العباسى ولاية مصر إلى أحمد بن طولون ، وبعد أن فهم بن طولون الشخصية المصرية وعلم أنّ مصر تنعم بالثراء الإقتصادى والقدرة المالية ، بدأ يساوره حلم الإستقلال عن الخلافة العباسية والانفراد بحكم مصر بعيدًا عن النفوذ العباسى ، فاستخدم المصريين في الوظائف وقام بتنظيم أُمور مصر المالية والإدارية والإقتصادية ، وتمكن من تكوين وإعداد جيشًا قويًا أظهر في البداية خدمته ونصرته للخلافة العباسية ، واستخدمه في حماية دولة الخلافة .
ثم سرعان ما انقلب على الخليفة العباسى ، وقام بالإستقلال عن الخلافة سنة 878 م ، وبدأ بن طولون في تأسيس دولته حيث أقام في البداية بمدينة العسكر، ولما ضاقت عليه المدينة ولم تتسع لجيشه وحاشيته وموظفيه قام ببناء مدينة جديدة إلى الشمال من العسكر وأطلق عليها اسم القطائع ، لينافس بها مدينة سامراء العاصمة الثانية للخلافة العباسية ، وقام ابن طولون بتأسيس مسجده الشهير وأنشا قصره ، وكذلك أقام بيمارستان بالمدينة الجديدة ، وعمل على ترميم بعض المنشآت المهمة ذات التأثير الإقتصادى والزراعى والتجارى على الدولة المصرية،مثل مقياس النيل بالروضة ومنار الإسكندرية.

وبعد وفاة ابن طولون سنة 884 م،تولى إمارة مصر ابنه خمارويه الذى تميز بالبذغ والإسراف وإهدار ثروات ومقدرات الدولة المصرية ، في إقامة منشآت تميزت بالرفاهية الشديدة حتى قتل على يد خدمه، وتمكن آل العباس من السيطرة على مصر ودمروا وأحرقوا مدينة القطائع ، ولم يسلم من هذا التدمير والتخريب سوى المسجد الذى مازال قائمًا حتى الآن كأحد أجمل وأشهر المساجد القائمة في القاهرة .

وقد تميزت الفنون والعمارة  في فترة حكم الطولونيين بالطابع المحلى ظاهريًا وجوهريًا بالرغم من تأثرها الشديد بالنهضة والثراء المعمارى والفنى التي نشأ في مدينة سامراء ، وقد ترك لنا الطولونيون بعض من آثارهم مثل المسجد ، وبعض أطلال المنازل التي تم اكتشافها في حفائر الفسطاط ، لتعطينا فكرة عن طبيعة ومميزات العمارة في تلك الفترة ، ويمكن ايجازها في بعض النقاط المهمة . 

فنجد أنّ القصور التي تم تشييدها في هذه الفترة تأثرت في تخطيطها وتصميمها بالعمارة التي نشأت في بغداد وسامراء والمتأثرة بالعمارة الساسانية ، حيث بدأت تظهر سمات عمارة المنازل الخاصة بطبقة الأغنياء و الأمراء والتي يرجع تصميمها إلى أصول ساسانية ، أما العمارة الدينية فقد استمر النخطيط التقليدي للمساجد ، والذى يتكون من صحن أوسط مكشوف يُحيط به أربعة أروقة أكبرها وأوسعها رواق القبلة .

وظهرت عمارة الأضرحة وتميز التخطيط ببساطة التكوين فهو عبارة عن غرفة مربعة تغطيها قبة ،ولها أربعة مداخل محورية ، وبأحد جدرانها محراب بسيط يحدد اتجاه القبلة ، كما ظهر استخدام الإيوان والفناء المفتوح في العمارة المدنية ،وخاصة عمارة المنازل ،واستخدم الآجر في البناء،وظهرت أحد العناصر المعمارية المهمة لأول مرة وهى القبة كوسيلة لأسلوب التغطية في مبانى الأضرحة .

الدولة الإخشيدية (323 - 358 هـ ) ( 935 - 969 م ) : 

تم اسناد ولاية مصر بعد سقوط الدولة الطولونية إلى محمد بن طغج الإخشيدى من قبل الخلافة العباسية ، وقد تمكن من إنشاء قوة عسكرية استطاع من خلالها هو الأخر أن يستقل بمصر والشام ، ولكن الظروف الخارجية لم تكن في صالحهم حيث توجه نظر العباسين والفاطميين صوب مصر ، وظلت الدولة الإخشيدية بين مد وجذب طوال مدة حكمها ، ولم يكن لها تأثير كبير أو أهمية كبرى بين الدول في التاريخ المصرى ، واستمرت هذه الدولة ما يقرب من أربعة وثلاثون عامًا لم يُعرف من آثارها سوى مشهد آل طباطبا ، وبعض شواهد القبور ، ولم يكن لها أية ملامح أو مميزات طرأت على العمارة الدينية أو المدنية  . 

الدولة الفاطمية ( 358 – 567 هـ ) ( 969 – 1171 م) : 

ظلت مصر مطمع وهدف للفاطميين الذين وجّهوا أنظارهم إليها ، وبدأ مخططهم للسيطرة عليها منذ تأسيس دولتهم في المغرب العربى ، فبدأ الخليفة الفاطمى المعز لدين الله الفاطمى بعد وفاة كافور الإخشيدى يُجهز جيشًا للسيطرة على مصر، فقام بتوجيه قواته بقيادة جوهر الصقلى للتوجه إلى مصر والإستيلاء عليها ، وتمكن الفاطميون من دخول الفسطاط ،وقام جوهر الصقلى باختيارموقع مدينتهم الجديدة وهى القاهرة ، لتصبح مقرًا للحكم وللخلفاء الفاطميين ولجيوشهم .
 وقام جوهر الصقلى بإنشاء سور حول المدينة الجديدة ، وبنى في وسطها الجامع الأزهر وقصر الحكم ، ومع استقرار الأمور لهم بالرغم من الاختلاف المذهبى بين الفاطميين الذين يدينون بالمذهب الشيعي وبين أغلب المصريين الذين يدينون بالمذهب السنى ، بدأت الدولة الفاطمية تنتهج سياسة المهادنة واالتعاون مع المصريين وخاصة أقباط مصر فبدأوا بتقريبهم منهم واختاروهم في الوظائف المهمة ، فاسندو لهم مهام الوزارة والوظائف المالية والإدارية وساعدوهم في احياء العادات والإحتفالات والطقوس التي اعتاد الشعب المصرى على ممارستها وأدائها .

وتميزت فترة حكم الفاطميين بالقوة والفخامة ، واتسعت رقعة دولتهم وتحولت مصرمن مجرد ولاية  إلى أرض الخلافة الفاطمية ، وتبوأت مركزًا عظيمًا بصفتها مقرًا لخلافة ذات نفوذ وقوة أكبر من الخلافة العباسية ، وأصبحت مقرًا للتجارة العالمية وقبلة لرؤوس الأموال الخارجية ، وقد حرصت الدولة على العناية الفائقة والإهتمام البالغ بمختلف الفنون والعلوم والثقافات ، وتنافس الخلفاء والأمراء في بناء القصور وتشييد المساجد ، لكن مثلها مثل كل الدول بعد القوة والإزدهار تظهر عومل الضعف ونذر الإنهيار .

ففي عهد الخليفة المستنصر سنة 1064 م انخفض فيضان النيل وجفت المياه وهلك الزرع وانتشرت المجاعة لعدة سنوات هلك خلالها خلق كثير ، واختفى الطعام وأكل الناس الجيفة والكلاب ، وعم الدمار والخراب أنحاء البلاد ، وبدأت تظهر الأطماع من الفرنجة لتهديد مصر وغزوها ، فلجا الفاطميون إلى أعمال التحصين لمدينتهم فقاموا بتشييد أسوار القاهرة من الحجر .

ثم تولى الخلافة بعد وفاة الخليفة المستنصر خلفاء صغار السن لا يعلمون عن أمور الحكم والقيادة شيئًا فأصبحو مجرد دمى يتحكم فيها الأوصياء والوزراء ، فكان من نتيجة ذلك أن تمكن السلاجقة والصليبيين من السيطرة على البلاد التي كانت خاضعة  للفاطميين في الشرق ، وفى عام 1162 م تولى صلاح الدين الأيوبى الوزارة في عهد الخليفة العاضد فمَلَك زمام الأمور وازداد نفوذه وعظم .

وفى عام 1171 م تمكن من إعادة الدعوة فوق المنابر للخليفة العباسى بدلًا من الخليفة الفاطمى العاضد ، وتم القضاء على الدولة الفاطمية بعد ان استمرت زهاء قرنين في حُكم مصر ، ترك لنا الفاطميون من خلالها ميراثًا ضخمًا من آثارهم التي تدل على مدى ما وصلت إليه الحياة الإجتماعية في العصر الفاطمى من رفاهية وترف ، ومقدار ما بلغته الفنون والعمارة الإسلامية من نهضة وتطور حضارى .
حيث ظهر طابها المحلى المميز ، بالرغم من التعدى الذى حدث على الكثير من المنشآت المدنية والفنون بعد سقوط دولتهم نتيجة للخلاف الدينى والمذهبى والسياسى ، لكن لحسن الحظ أن بقى لنا الكثير من العمائر الدينية والحربية مثل الجامع الأزهر ، ومسجد الحاكم بأمر الله ، والجامع الأفمر ، وجامع الصالح طلائع بن رزيك ، وأسوار ومشهد الجيوشى والسيدة رقية ، وأسوار القاهرة  .

وظهرت سمات العمارة الفاطمية في القصور والمبانى التي تميزت بالفخامة والثراء الفني والمعمارى والزخرفى ، نتيجة لحالة الترف والرفاهية والرخاء الإقتصادى الذى ساد لفترات طويلة خلال مدة حكم هذه الخلافة ، أما العمارة الدينية فقد استمر الشكل والتصميم التقليدي للمساجد الجامعة بالرغم من التفاوت الكبير في مساحات المساجد بين الكبير والصغير ، وتطور شكل الأضرحة المعمارى فتم إلحاقه بمصلى أو زاوية مع استمرا الشكل التقليدي للضريح الذى يتكون من مساحة مربعة تُغطيها قبة.
واستمر كذلك استعمال الأجر في البناء ، والحجر في الواجهات والتحصينات الحربية كما في أسوار القاهرة وبواباتها ، وازدادت العناصر الزخرفية والنقوش في زخرفة الواجهات ، فتم استخدام الدخلات والحنايا الرأسية المسطحة والتي تنتهى بزخرفة المقرنص ، وظهرت الواجهات بثرائها الزخرفى المنقوش على الجص والحجر ، واهتم المعمار بالمداخل التي تتوسط الواجهة الرئيسية حيث وضعه المعمار في بعض الأحيان داخل تجويف معقود بعقد يُحيط به إطارات من الزخارف المتميزة .
وظهر شكل المأذنة المصرية الذى بدأ يُميز العمارة الفاطمية وهو عبارةعن طابقين الأول مربع الشكل ، والثانى العلوى أسطوانى أو مثمن ، وتم انشاء المئذنة في طرفى الواجهة ، أو فوق المدخل الرئيس ، كما ازدهرت مختلف الفنون الإسلامية مثل فن التصوير وصناعة المعادن والأخشاب والحفر على الأحجار ، والخزف بأنواعه المختلفة ،والزجاج ، حيث بلغت هذه الصناعات درجة كبيرة من التطور والتقدم الفني والصناعى ، وقد ظهرت الكثير من التأثيرات الفنية في العمارة والفنون المصرية في العصر الفاطمى مثل التأثير المغربى والإيرانى نتيجة للعلاقات المتميزة بين الفاطميين والبويهيين في إيران والعراق .

الدولة الأيوبية ( 567 – 648 هـ ) ( 1171 – 1250 م ) : 

تولى صلاح الدين الأيوبى السلطنة فى مصر بعد القضاء على الخلافة الفاطمية فى مصر ، فأخذ فى تثبيت أركان دولته بمواجهة بقايا فلول الفاطميين داخليًا الذين ما زالوا يدينون بالمذهب الشيعي ويحاولون العودة إلى الحكم من جديد ، كما أنّه وجد نفسه محاط بمخاطر خارجية تمثلت فى تهديد السلاجقة والصليبيين الراغبين فى السيطرة على مصر لتثبيت دعائم احتلالهم لبلاد الشام وفلسطين .
 فعمل صلاح الدين منذ البداية على تحصين القاهرة حيث قام ببناء قلعة حصينة على الجانب الغربى من جبل المقطم ، وبنى سورًا جديدًا حول القاهرة لإحكام تحصينها ، ولمواجهة الأفكار الشيعية والقضاء عليها والعمل على نشر المذهب السنى قام بإنشاء المدارس ، لتدريس المذاهب الأربعة فى جميع ربوع مصر ، كما عمد صلاح الدين الأيوبى على جذب شرائح من الصوفية لنشر المذهب السنى بينهم ، فقام بإنشاء الخانقاوات لإقامة المتصوفة بها .

وبعد وفاة صلاح الدين الأيوبى سنة 1193 م تولى خلفاءه حكم الدولة الأيوبية بعد أن تمكن صلاح الدين من تحرير معظم بلاد الشام ، ولكن خلفاء صلاح الدين من أبناء البيت الأيوبى لم يكونو فى مهارة القائد العظيم مؤسس الدولة الأيوبية أو حنكته السياسية وقدراته العسكرية ، فاستمر الصراع بين قادة الدولة الأيوبية والصليبيين إلى أن سقطت الدولة الأيوبية سنة 1250 م بمقتل أخر سلاطينها وهو توران شاه الذى بموته اُسدل الستار على حكم الدولة الأيوبية التي كان لها بصماتها الواضحة وتاريخا المشرف فى تحرير الأراضى الإسلامية فى بلاد الشام .

ومن المعروف أن حكم الدولة الأيوبية استمر لمدة ثمانين عامًا تميزت بالتقدم التجارى في مصر وعلى الصعيد الدولى ونهضة صناعية كبيرة واهتمام بما في أيديهم من ثروات طبيعية فأحسنوا استغلالها ، وشهدت هذه الفترة ازدهارًا فنيًا ومعماريًا وبصفة خاصة العمارة العسكرية ، نظرًا لما واجهته الدولة الأيوبية من حروب لتحرير الأراضى الإسلامية ، ولم يتبقى من آثار هذه الدولة سوى القليل الذى يُعد شاهدًا حضاريُا على ما بذلوه وقدموه من أجل تحرير العالم الإسلامى ، والحفاظ على استقراره ونهضته ومقومات حياته ضد الهجمات الإستعمارية .
 منها على سبيل المثال مدرسة الصالح نجم الدين أيوب ، وقبة الأمام الشافعى ، وقبة الخلفاء العباسيين ، وضريح شجر الدر زوجة السلطان نجم الدين أيوب ، وقد تميزت العمارة في هذه الفترة بسمات بدأت بتأسيس قلعة الجبل أو قلعة صلاح الدين التي كانت مقرًا للحكم والإدارة ، وظهر تصميم جديد وتطور عن المسجد التقليدي وهو المدارس وهى عبارة عن إيوانين متقابلين بينهما فناء أو صحن مكشوف ، لتدريس المذهب السنى ، وأصبحت المدرسة هي الشكل المتطور للمسجد التقليدي ، والسمة الرئيسة للعمارة الدينية في العصر الأيوبى .

كما استمر إنشاء الأضرحة لتخليد ذكرى من تضمهم من الأمراء والسلاطين والخلفاء ورجال الدين ، حيث تم إلحاق القبة الضريحية بالمنشآت الدينية التي أُطلق عليها المدارس ، وتنوعت أساليب البناء وطرق الزخرفة فاستخدمت الأحجار إلى جانب الآجر في أعمال البناء والتشييد ، كما استخدمت الصنج المزررة والملونة في العتب ، واستخدمت العقود ، وتطور شكل المآذن في ذلك العصر فأخذت قممها شكل المبخرة واستمر وضع المآذن أعلى المداخل ، كما تطور بناء القبة واستخدم المقرنص . وبدأ استخدام الفسيفساء الرخامية ، وازدهرت صناعة الجص والخشب والمعادن . 

دولة المماليك البحرية (648 – 784 هـ ) (1250 – 1382 م ) : 

تولى عرش مصر بيبرس البندقدارى المؤسس الأول لدولة المماليك البحرية لما عُرف به من حنكة سياسية وقدرة على القيادة السياسية والعسكرية ، فقد استطاع تأمين حدود دولته في بلاد الشام من هجمات المغول والصليبيين ، وثبّت أركانها ، وأنشأ مسجده الشهير بحى الظاهر وتحديد الخطبة في الكثير من الجوامع التي هُجرت مثل الجامع الأزهر وجامع الحاكم ، وقام بإحياء الخلافة العباسية في القاهرة ، وأصبحت مصر مركزًا للعلماء والفقهاء حيث أُحيطوا بالرعاية والترحاب مما أدى إلى حدوث نهضة علمية وثقافية وفنية .
وبعد وفاة الظاهر بيبرس مسمومًا في دمشق سنة 1277م  ، تولى قلاوون عرش السلطنة سنة 1280 م  حيث أولى عناية كبيرة بالجيش وأسس فرقة من المماليك جعل مقرها القلعة واشتهرت بالمماليك البرجية ، واستمر قلاوون في أعمال التشييد والبناء في مصر والشام ، ومن أجمل ما خلفّه لنا من آثار مجموعة السلطان قلاوون بالنحاسين التي تشمل البيمارستان و المدرسة والضريح .
وبعد وفاة السلطان قلاوون تولى ابنه الناصر محمد بن قلاوون سنة 1309 م والذى تميز عهده بالإستقرار والرخاء والاهتمام بالمنشآت المعمارية حيث ينسب إليه هو واُمرائه عدد كبير من المنشآت المعمارية واستمرت النهضة المعمارية في عهود خلفائه والتي تميزت بالتنوع والثراء الفني والزخرفى وروعة التصميم المعمارى مثل مدرسة السلطان حسن ، وقد ظل حكم المماليك البحرية حوالى مائة واثنين وثلاثين عامًا ، تُعد من الفترات التاريخية المهمة في تاريخ مصر السياسى والحضارى والإحتماعى والفنى .

وبالرغم من المؤامرات والصراعات وأعمال القتل والإغتيالات التي انتشرت في عهد المماليك إلا أنّ عصورهم تميزت بضخامة وكثرة المنشآت المعمارية وفخامتها وثراءها الفني حيث أُطلق على عصرهم بالعصر الذهبى للعمارة الإسلامية الذى تميز بسمات ظاهرة ، ففي مجال العمارة المدنية استمر دور القلعة كمكان ومقر للسلطة والحكم والإدارة ، وتم تقسيمها إلى جزأين  أحدهما خاص بالأمور العسكرية والتحصين والأخر بإقامة السلطان واُمرائه وحاشيته .
 كما تميزت هذه الفترة بإنشاء استراحات صغيرة خاصة بالسلاطين ومنازل جميلة وبديعة خاصة بالأمراء والأغنياء ، أما بالنسبة للعمارة الدينية فقد تطور تخطيط المدارس من الشكل السائدًا منذ العصر الأيوبى والذى يتكون من إيوانين وصحن أوسط إلى تخطيط متعامد عبارة عن أربعة إيوانات يتوسطها صحن مكشوف ، ويضاف إلى هذا التخطيط ضريح خاص بالمنشىء، وأحيانًا أُخرى كانت المدرسة تضم سبيل يعلوه كتاب لتعليم الأطفال وتحفيظهم القرآن ، فظهرت الفخامة والضخامة على المجموعات المعمارية نظرًا لتعدد اغراضها .

كما تميزت العمارة باستخدام الحجر في البناء وظهر نظام الأبلق والمشهر ، كما تطورت طرق إنشاء القبة وتعددت أشكالها وأنواعها وزخارفها ، وظهرت المآذن المملوكية ذات الثلاثة طوابق ، قاعدة مربعة يعلوها شكل مثمن يعلوه بدن اُسطوانى ، كما تطورت ونضجت صناعة الفسيفساء الرخامية ذات الألوان الرائعة والتصميمات البديعة واستخدمت الوزرات في زخرفة الأجزاء السفلى من العمائر والأبنية وفى الأرضيات والمحاريب ، كما استخدمت الأبواب النحاسية وازدهرت صناعة التكفيت ، وتميزت العمارة بالطابع المحلى بالرغم من وجود تاثيرات سورية وفارسية وأندلسية .

عصرالمماليك البرجية ( 784 – 923 هـ )( 1382 – 1517 م): 

تُعّد دولة المماليك البرجية امتدادًا حضاريًا وسياسيًا وإداريًا وإجتماعيًا وفنيًا لدولة المماليك البحرية ، وقد تمكن سلاطين المماليك البرجية أو الجراكسة من تدعيم وتثبيت دولتهم في مصر والشام والجزيرة العربية واتسعت تجارتهم الخارجية ، وتأسست دولة المماليك البرجية على يد السلطان برقوق سنة 1382 م ثم تولى السلطنة بعده سبعة من السلاطين في حوالى عشرون سنة انتشر فيها الفساد والفوضى .
ثم ما لبث أن استقرت الأمور بتولى السلطان برسباى عرش السلطنة سنة 1422 م وهو من أقوى وأفضل سلاطين المماليك البرجية ، تميزت فترة حكمه فيما يختص بالناحية الحضارية والمعمارية والفنية بالنشاط والنهضة ، وتُعّد مجموعته المعمارية بصحراء المماليك والمدرسة الأشرفية بشارع المعز لدين الله من العمارة المتميزة ، ثم تولى السلطنة بعده ثمانية سلاطين خلال ثلاثين عامًا .
وفى سنة 1468 م تولى السلطان قايتباى العرش واستمر حكمه لمدة ثمانية وعشرون عامًا ، حيث تميز عصره بكثرة المنشآت المعمارية ، فقد أنشأ قلعة قايتباى بالإسكندرية كما أنشأ مسجد قايتباى ومجموعته الشهيرة بصحراء المماليك ، وأنشأ عدة أسبلة ووكالات تجارية مع الكثير من الإضافات المعمارية لعدد من المساجد .
ثم تولى بعد وفاته خمسة من السلاطين  تميزت عهودهم بالفوضى والإضطراب حتى تولى السلطان قنصوه الغورى سنة 1501 م فاستقرت الأمور، لما له من دراية وخبرة في إدارة البلاد والتعامل مع المماليك .
وقد تميز عهده باجراء الكثير من أعمال الترميم والتجديد للمنشآت القائمة مثل قلعة الجبل وخان الخليلى وقبة الإمام الشافعى ، كما أنّه قام بإنشاء الكثير من العمائر مثل الوكالات والخانات وشيد مئذنة الجامع الأزهر المتعددة الرؤوس ، ومن أعظم المنشآت الباقية مجموعته المعمارية بالأزهر .
وقد واجه السلطان قنصوه الغورى بعض المشاكل التي أدت إلى ضعف الموارد المادية ، منها إكتشاف البرتغاليين لرأس الرجاء الصالح وتحول طرق التجارة إلى الطريق الجديد مما أفقد الموانىء المصرية الضرائب التي كانت تتحصل عليها ، والأمر الآخر هو أطماع العثمانيين في السيطرة على مصر .
وقد استمرت دولة المماليك البرجية مائة وأربعة وعشرون عامًا ، وبالرغم من الفساد والفوضى والإضطرابات التي حدثت في فترات حكم الكثير من سلاطين المماليك البرجية إلا أنّ هذه الفترة قد شهدت نهضة معمارية كبيرة ، حيث تنافس السلاطين والأمراء على إنشاء مجموعاتهم المعمارية الضخمة وتميزت هذه الفترة بسمات واضحة في مجال العمارة والفنون .

كان من أبرزها ظهور شكل جديد للمسجد وهو المدرسة المغطاة  ، حيث تطور تخطيط المدارس وتم تصغير مساحة الإيوانين الجانبين وأُطلق عليهما لفظ "سد لتين " وتم تغطية الصحن المكشوف بسقف خشبى ،وظهرت الشخشيخة والدرقاعة، وتم إنشاء مجموعات معمارية ضخمة متعددة الأغراض عبارة عن مسجد وقبة ضريحية وسبيل يعلوه كتاب .
واستمر استخدام الحجر في تشييد القباب التي تميزت بالثراء والتنوع الزخرفى للأسطح الخارجية التي مُلأت بالزخارف النباتية والهندسية والزجزاجية ، وتطور استخدام المقرنص وازدادت حطاته وتميز بالبراقع والدلايات وازدادت المآذن رشاقة ، وتم استعمال بلاطات من القاشانى في زخرفة قمم المآذن ورقاب القباب وتعددت المآذن والقباب في المسجد الواحد ، وازدهرت صناعة النوافذ الجصية وتنوعت أشكالها الزخرفية واستخدم الزجاج الملون والمعشق كما تطورت زخارف الواجهات ، أما العمارة المدنية الخاصة بالقصور والمنازل فقد سارت على نفس النمط التقليدي السابق في العصور الغابرة .

العصر العثمانى ( 923 -1213 هـ )( 1517 – 1798 م)  : 

قامت الدولة العثمانية في مصر على أنقاض دولة المماليك حيث انتصر السلطان العثمانى سليم الأول على آخر سلاطين المماليك وهو السلطان طومان باى وخضعت مصر للسيطرة العثمانية ، واستغلت مواردها أسوأ استغلال وتدهورت الزراعة ، وقام السلطان سليم بنقل الصناع المهرة إلى عاصمة الخلافة باستانبول مما أدى إلى تدهور كثير من الصناعات المصرية ، وتراجعت مصر عن مركزه ودورها في العالم الإسلامى وانتشر الفساد في الجهاز الإدارى .
وعاشت مصر فترة حالكة من الضعف إلا أنّ بعض الولاة العثمانيين وأمراء المماليك كانت لهم أنشطة محدودة في مجال العمارة والفنون ، فقاموا بإنشاء بعض الأسبلة والوكالات التجارية وتجديد بعض المساجد العتيقة ، واستمر العصر العثمانى نحو مائتى وثمانين عامُا ساهمت فيه السياسة العثمانية بإحتفاظ كل إقليم بطرازه الفني المحلى ، واستمر المعمار المصرى على تقاليده المحلية بالرغم من وجود بعض الاستثناءات ، فلم تتغير أشكال العمارة المدنية من قصور ومنازل .
وظلت القلعة هي مقر الحكم والإدارة ، وشيدت منازل بديعة لأمراء المماليك والطبقة الغنية من التجار ، أما العمارة الدينية فقد اختفى تخطيط المدرسة ، وتم تشييد المساجد طبقًا للتخطيط التقليدي ، وظهر تخطيط جديد للمسجد هو المسجد المغطى بالقباب ، وظهرت مساجد على الطراز العثمانى ، وتخطيط جديد من الأضرحة المكشوفة عبارة عن قبة محولة على أربعة أعمدة  .
وتم تشييد الكثير من الأسبلة وتطور تخطيط الخانقاوات إلى التخطيط الدائرى الذى عُرف بالتكية ، كما أصبحت القبة هي العنصر الرئيس والمركزى في التغطية كما في مسجد محمد بك أبو الدهب وسنان باشا ، وظهرت المآذن الرفيعة التي أطُلق عليها أقلام الرصاص ذات القمة المدببة ، وبقيت بعض الصناعات محتفظة بدقتها وجمالها مثل الفسيفساء الرخامية وتكسية الأبواب بالنحاس وتغطية الجدارن والقباب والمحاريب ببلاطات من القاشانى بديع الصنعة جميل الألوان والزخارف .
author-img
نشأت للمعلومات التاريخية والأثرية

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent