recent
موضوعات

تأثير الفن المصرى القديم على الفن القبطى فى مصر

التأثيرات الفنية المتبادلة : 

بالرغم من إنّ الفن القبطى فن أصيل ، له ذاتيته، وشعبيته، وخصائصه المميزة، فانه قد انصهرت فيه بعض العناصر من الفنون السابقة عليه، كغيره من الفنون التى تأثرت بالحضارات السابقة عليها، والمعاصرة لها، فقد أخذ الفن القبطى من المصرى القديم ، واليونانى ، والرومانى ، كذلك البيزنطى والساسانى ، وتأثر بالفن الإسلامى ، كما ظهر التأثير الأوربى الواضح فى فنون الأقباط فى مصر . 

 

التأثير المصرى القديم : 

لقد أشار بعض الباحثين إلى أن عقيدة الثالوث فى المسيحية لها جذور مصرية قديمة ، واختلفت آراؤهم فى ذلك ، فيرى بعضهم أنّ أوزوريس رب أصحاب اليمين ، بينما أصبحت إيزيس تعرف باسم الأم المقدسة، بعد أن تأكد أنّ حملها بولدها كان من روح أبيه الإله بطريقة إعجازية ، ليكّون ذلك ثالوثاً مقدساً ، ومن ثم خضع ست لقضاء الإله الآونية، بل واعترف بحورس حاكماً للبلاد ووضع على رأسه التاج المقدس ، واعتلى عرش مصر ، وأقيمت تماثيل إيزيس وهى تحمل ولدها لتعطيه ثديها . 

ويرى البعض الآخر أنّ أسطورة الثالوث المقدس التى تمثلت فى أوزوريس و إيزيس وحورس ، والتى تُعّبر تعبيراً فلسفياً عن العقيدة نفسها ، انتقلت هى وأعيادها وطقوسها وتقاليدها  من مصر إلى كثير من الحضارات الأخرى ، فظهرت فى سوريا وعلى شواطىء فينيقيا حيث حلت عشتروت " سيدة السماء محل إيزيس ، وأنجبت الإله بعل الذى يعدل حورس عند المصريين ، كما انتقلت نفس الأسطورة إلى حضارة المايا والأوزتيك القديمتين فى أمريكا والمكسيك ، وتمثل نفس قصة الصراع "  كو " إله الخير والأم المقدسة " مو" بعد أن تحمل بابنها الصقر المقدس من روح أبيه . 

لقد تركت الأسطورة المصرية بصماتها على أكثر من أسطورة مماثلة ظهرت فى أساطير العقيدة الخاصة بكهنة معبد التبت ، كذلك ماورد من أساطير ارتبطت بقصة الأطلنتس " القارة المفقودة "،ومما لاشك فيه أنّ أسطورة الثالوث المقدس وتغلغلها فى عقيدة المصريين كان لها أثرها فى العقيدة المسيحية بعد دخولها مصر ، ممثلة فى ثالوث " الأب والابن والروح القدس " قبل انتقال المسيحية ، وتعاليمها من مصر عبر البحر الأبيض المتوسط إلى الغرب . 

ويرى بعضهم أنّ الماعت فى الفكر المصرى القديم تربط بين الإله والفرعون أو الإله والملك ، وكأنّها الروح القدس الذى ربط بين الآب والأبن فى المسيحية، وأنّ الثالوث المكون من رع والملك والماعت كان مختلفاً عن أى ثالوث إلهى أخر، يتجسد بصيغة الأب والأم والابن أوالأب والزوجين، وإنه ببساطة أقنوم لاهوتى مصرى أصيل، شكّل الجذر الأعرق لفكرة الأقنوم المسيحى ، وفى هذا نجد منافساً شديد القوة أمام الثالوثات الإلهية القديمة التى رشحها الباحثون لتكون جذراً للأقنوم المسيحى . 

ويرى البعض أنّ فكرة الثالوث قد وجدت فى نفوس المصريين قبولاً نظراً لتشابهها  مع الكثير من الثلاثيات فى عقائدهم، فلقد كان لكل مدينة مهمة فى مصر القديمة ثالوثها الخاص بها، وكان أهم ثالوث ذاك الخاص بأوزوريس وإيزيس وابنها حورس ، وجاءت صورة العذراء مريم والطفل يسوع لتذَّكر المصريين أيضاً بصورة إيزيس وحورس، وإنّ التصوير المبكر للعذراء فى الفن القبطى كان مماثلاً لصورة إيزيس وهى ترضع الطفل حورس، وظل هذا الأمر ملمحاً ثابتاً  فى التصوير القبطي .

ومن التأثيرات المصرية أيضاً على الفن القبطى عامة ، والتصوير خاصة موضوع الفارس الذى يمتطى صهوة جواده التى تشير إلى انتصار الخير على الشر، حيث يوجد لوحة حجرية تُمثّل حورس فى شكل صقر، يرتدى الملابس العسكرية ذات الطراز الرومانى ، ويطعن ست بحربته ، وهى محفوظة بمتحف اللوفر بباريس ، ويُرجح أنّها ترجع إلى القرن الرابع الميلادى ، كذلك فإنّ فكرة الفارس الذى يقتل التنين والمستمدة من الفن المصرى القديم ، ظهر فى الفن القبطى فى صورة مارجرجس يطعن التنين . 

أمّا زهرة اللوتس فهى مظهر دائم وثابت لعقيدة هرموبوليس، وسواء زهرة اللوتس الزرقاء أم البيضاء أم اللازوردية أم الفضية فإنّ وضع الزهرة حتى الأنف الإلهى أثناء الخدمة الإلهية داخل المعبد، يُعد رمز للحياة الشمسية ، كما نجد فى الفن المصرى القديم رأس إنسان يبزغ من زهرة لوتس على بحيرة ماء ، وتقول أنا زهرة اللوتس النقية التى بزغت من إله الضوء حارسة أنفاس رع ، حارسة أنف حتحور، إننى أتقدم وأُسرع وراء حورس ، إننى الكائنة النقية التى أتت من الحقل السماوى .

لذلك رسم الفنان القبطى للسيدة العذراء تاج من اللوتس بصفتها الملكة الطاهرة النقية والدة الإله ،واتجه المصرى القديم إلى استخدام بعض الأشكال النباتية كالوريدات فى زخارفه، وذلك نتيجة لتأثره بالبيئة المحيطة حوله، حيث يلمس بصورة دائمة الزهور والنباتات فاستخدمها وعبَّر عنها ، كما ظهر  سعف النخيل ، وهو من التأثيرات المصرية القديمة ، حيث استخدم كزخرفة لتيجان الأعمدة منذ عصر الأسرة الخامسة ، كما وضعوه مع مومياواتهم فكانت ترمز لديهم فى العالم الآخر للأبدية ، وكانت الإلهة حتحور عادة ما تظهر ، وهى تحمل سعف النخيل 

وقد رفع الشعب المسيحى سعف النخيل وأغصان الزيتون فى الاحتفال بذكرى دخول المسيح إلى أورشليم، وقد كانت عادة تحية القادمين بسعف النخيل معروفة فى مصر القديمة ، كذلك من التأثيرات المصرية أسماء الشهور، حيث مازالت الشهور المصرية القديمة فى التقويم النيلى تُستعمل حتى الآن مع بعض التحريف فى أسمائها ، وهوما يطلق عليه بالسنة القبطية التى تبدأ بشهر توت ، وهو تحوتى المصرى القديم ، كما إنّ الأيام الخمسة المنسية أو أيام الآلهة الخمسة هى ما يطلق عليها فى التقويم القبطى بأيام النسىء . 

ومن الحيوانات التى ظهرت فى رسوم الأيقونات الأسد، والمعروف أنّ فكرة اتخاذ الأسد كعنصر أساسى فى تكوين شكل أبى الهول للتعبير عن القوة بدأت عند القدماء المصريين ، من أقدم العصور قبل عهد الأسرات ، لأنه يجمع بين القوة والشجاعة ، وعزة النفس وجمال الشكل،فكانوا أول من أطلق عليه لقب ملك الحيوانات ،واتخذه الملوك وحكام المقاطعات رمزاً للتعبير عن الحاكم القوى ، وكان الملك أمنحوتب يُرمز له بالأسد، وقد صنع لنفسه أسدين من الجرانيت محفوظين بالمتحف البريطانى . 

وظهر الأسد الحارس فى تمائم السحر للحماية من الأرواح الشريرة والحراسة من الغدرولتكسب حاملها القوة والشجاعة،كما اختار القدماء المصريون الأسد كرمز لأحد أبراجهم السماوية وهو برج الأسد، وقد اختاروا الأسد الحارس لهذا البرج، لأنه موسم فيضان النيل المقدس ، فاختاروا الأسد ليحمى النهر ويحرس فيضانه ، كذلك فى عهد الملك أمنمحات الثالث آخر ملوك الدولة الوسطى تماثيل أربعة للملك على هيئة أسد رابض بوجه إنسان وتحيط به معرفة الأسد ،وهذا الموضوع يبين قوة الأسد وبطشه فى صفات الملك المنحوت له التمثال . 

ولقد كانت رسوم الحيوانات الخرافية إحدى مميزات الفنون الزخرفية المصرية ، والعراقية ،والأخمينية ، واليونانية ، والبارثية ، والرومانية ، والساسانية ، والبيزنطية ، والقبطية ،حيث أخذت أشكال الحيونات الرمزية والخرافية والأسطورية فى العراق القديم كثيراً من سماتها المميزة من الفن المصرى القديم ، وكثرت أشكال الأسود المجنحة برءوس بشرية ضخمة ، أو برءوس طيور . 

وكان تأثير الفن المصرى القديم على الفن الإغريقى واضحاً فى ابتكار كائنات أسطورية وخرافية يشترك فيها أكثر من حيوان ، كما وضعت تماثيل رابضة كأبى الهول ، وظهر رسوم حيوانات مجنحة ، وطيور ذات وجوه آدمية فى الفن الإغريقى ، وكذلك فى العصر الرومانى ، وانتشرت  فى الفن البيزنطى ، ثم فى الفن القبطى. 

ومن الحيوانات التى ظهرت فى التصوير القبطى  الحمار، الذى كان يمتطيه المسيح أثناء الدخول إلى أورشليم ، وهو يُعد عند قدماء المصريين إلها وشيطاناً فى الوقت ذاته ، وفى الأخرة كان الزبانية ذوى رءوس الحمير يحرسون أبواب عالم الأموات ، وكان الحمار فيما عدا حالات نادرة مضاداً للقوى الإلهية ، فإنّ هناك مثلاً سبعة وسبعين حماراً تقف فى طريق الشمس لتمنعها من الشروق . 

وقد رُبط بين الحمار والمعبود ست رب الشرور فى عصر المملكة الوسطى ، وفى عصر المملكة الجديدة كان من العادة أن يُطعن حمار برمح فى مهرجان أوزيريس رمزاً لانتصار الخير على الشر، ويسمى الحمار فى المصرية " ع ء " والهمزة تعاقبت مع الراء هنا فهى " ع ر " والمكافىء فى العربية هو عير . 

كذلك من التأثيرات المصرية  كانت الحية والثعبان ، وهى رمز الحكمة صُوّرت على صولجان أوزوريس ، كما صُوّرت على تاج الإلهة إيزيس و الإله تحوت ، وهناك إشارات مباشرة لثعبان العالم السفلى الضخم ، الذى كان معروفاً للمصريين بأسماء عديدة ، و الذى كان هو وحلفاؤه و شركاؤه الذين كانوا مثله ثعابين ، مصدر رعب عابدى إله الشمس  فى كل العصور التاريخية المصرية . 

هذا الثعبان الضخم كان دوماً يمثل كل القوى العادية على الميت أو الحى ، وهو نفسه الذى جسدوا فيه كل صفات وملامح أعداء رع ، الطبيعية ، و الفكرية ، و سموه أبيب ( (Apep or Apepi رئيس الثعابين ، ويتحتم على الكهنة طبقاً للطقوس أن يكتبوا اسم أبيب باللون الأخضر على قطعة من البردى ، ويصنعون تمثالاً من الشمع يُمّثل الشيطان ، يكتبون عليه الاسم باللون الأخضر، ويحرقون كل من البردى والشمع . 

ويظهر التأثير المصرى القديم فى تمثيل العدالة، حيث يمسك الملاك ميخائيل بالميزان ، ومن المعروف أنّ المصريين قد رمزوا لألهة العدالة بالإلهة ماعت ، تجلس أوتقف بجوار الميزان المخصص لمحاكمة الأرواح عقب الموت ، حيث جرت العادة فى الطقوس الدينية أن يُقَّدم الملك للإله كل يوم دمية ، تمثل الماعت كدليل على قيامه بوظيفته الإلهية ، كذلك تشبه أسطورة محاكمة الروح عند المصريين القدماء ، التى يظهر فيها بعض الآلهة فى محكمة العدل ، التى يرأسها أوزوريس فى الحياة الآخرة، وكذلك تحوتى الذى كانت مهمته أن يزن قلوب الأموات تحت إمرة أوزوريس . 

كما يظهر أيضاً فى علامة عنخ، حيث دخل رمز العنخ ضمن رموز الكنيسة القبطية بسبب شكله الذى يشبه الصليب  ، وقد استعمل رمز العنخ بصفته القوة الحيوية الخالدة على جدران المعابد ، والألواح ، وفى أمكنة أخرى ، وعلى صور النسيج ، وقد جاءت فى المصرية القديمة بعدة معانٍ منها الحياة ، وبمعنى مرآة أو إكليل ، أو انسان أو رجل ، وجاءت بمعنى رباط النعل . 

ويظهر التأثير المصرى القديم أيضاً فى شكل التابوت وبداخله المسيح مقمط فى الأكفان ، ويُعد التابوت عند المصرى القديم من أهم الضمانات الرئيسة التى تتطلبها الحياة الأبدية بعد الموت ، وتطور التابوت على مر السنين ، فكان فى الدولة القديمة فى صورة صندوق ضخم  من كتلة من حجر الجرانيت ، أوالحجر الأبيض ، أو المرمر ، أوغيره ، مستطيل الشكل له غطاء من نفس الحجر . 

كما رأى المصرى القديم أن التابوت فى هذا العصر مسكن للجسم المحنط ، حيث توضع المومياء داخل تابوت ظل يتطور عبر الزمان ، وتطورت أشكاله ، والمادة التى يصنع منها، فهناك التابوت على صورة صندوق مصنوع غالباً من الحجر، وقد يُنحت فى صخر المقبرة ذاته ، والتابوت الذى ظهر مع الدولة الوسطى واتخذ شكل جسم إنسان . 

ومن التأثيرات المصرية القديمة التى ظهرت ، معالم الحزن والأسى على وفاة شخص عزيز، ظهر ذلك بوضوح فى مصر القديمة ، وامتد تأثيره حتى وقتنا الحاضر ، ففى المراحل الأخيرة لانتقال المتوفى من بيت المأتم إلى الأبدية، ومشاهد المراثى ، والعويل بجوار المتوفى ، فيتكرر الأنين الصادر من قلب يعتصره الأسى  والألم لرحيل شخص عزيز ، كأنه مشهد واحد لم يتغير يمتد منذ أن وقفت إيزيس ونفتيس تنتحبان على وفاة  أوزوريس . 

وقد أدت التيجان دوراً رئيسًاً عند المصريين القدماء ، كرمز من أهم الرموز القدسية سواء للملك أو الآلهة ، وكذلك الصولجان فى المصرية القديمة سخم ( sekhem ) ويعنى اسمه القوة ، وكان يرمز إلى السلطة ، وهو محل لقوى إلهية تحبوه بقداسته وتحمل الآلهة بدورها صولجاناتها الخاصة بها . 

وقد امتد تأثير ذلك فى العصور التالية حتى ظهر التاج والصولجان فى الفن القبطى ، والتصوير خاصة ، حيث تظهر العذراء والمسيح ، وفوق رأس كل منهما التاج للإشارة إلى المسيح الملك والعذراء الملكة ، كما كان التاج والصولجان من الأشياء الأساسية الخاصة بالبطريرك القبطى ، للإشارة إلى قوته،وسلطته الروحية ، والدينية على الشعب المسيحى.

أمّا التأثير المصرى من الناحية الفنية ، فنرى الفنان المصرى لم تكفِهِ النظرة الجانبية ، فأكملها بنظرة أخرى من الأمام مخالفاً بذلك قواعد المنظور ، كما حرص الفنان المصرى القديم على رسم أشخاص تبعاً لمركزهم بالنسبة للبلاط المصرى ، فصور الألهة والملوك بحجم كبير يتفق مع مكانتهم تفوق كبار الموظفين ، وصور كبار رجال الدولة أكبر نوعاً ما من صور الأشخاص الممثلين لأفراد الشعب ، وذلك دون أن يحفل بقواعد المنظور . 

كما حرص الفنان المصرى القديم على تصوير الآلهة والملوك العظماء فى أوضاع محددة ، تنم عن مكانتهم ،  وفى أيديهم إمارات الشرف مثل الصولجان أو العصا الطويلة ، وهوما ظهر واضحاً فى التصور القبطى ، حيث تم التركيز على صور المسيح والعذراء كأشخاص أساسيين فى وسط الصورة وبحجم كبير، كما خالف الفنان قواعد المنظور فى كثير من الأحيان ، وذلك من حيث الأوضاع محاولاً إظهار شخصياته كاملة لا يُخفى منها شىء.

إنّ الفنان القبطى ، وهو يحاول أن يُظهر المثل العليا فى الشخصيات التى يقوم برسمها فى غير وضعها الطبيعى ، فهو أمر يُشبه ما كان موجوداً لدى الفنان المصرى القديم، الذى كان يرسم صور الملوك وينحت تماثيلهم ، ليس كما هم فى الواقع وإنّما كما هم يُحبون أن يكونوا  فى الآخرة من الكمال ، هذا البعد الإسخاتولوجى " الأخروى " المصرى القديم تردد صداه  فى أعماق الفنان المصرى المسيحى . 

ومن التأثيرات المصرية أيضاً، استخدام الرسم الجانبى ، ومن أمثلته لوحة تمثل الاله أنوبيس يقوم بتحنيط المومياء فى مقبرة الكاهن " سن " بدير المدينة - مقابر الدولة الحديثة بطيبة ، حيث ظهرت المومياء فى الوضع الجانبى،  ونشاهد هذا الوضع فى صور الشيطان  فى التصوير القبطى .

author-img
نشأت للمعلومات التاريخية والأثرية

تعليقات

تعليق واحد
إرسال تعليق
  • rose photo
    rose8 مايو 2023 في 1:19 ص

    الموضوع جميل...لكن أين المصادر؟؟؟؟

    حذف التعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent