recent
موضوعات

الفن الإغريقى والهيلينستى

 

الفن الإغريقى " الهيللينى " : 

هو فن اليونان القديمة من نهاية القرن الحادى عشر قبل الميلاد حتى نهاية القرن الرابع قبل الميلاد وينقسم إلى العصر الهندسى ( ق 9-8 ق.م )،والعصر العتيق ( 630 – 480 ق.م ) ، والعصر الكلاسيكى ( 480 – 400 ق.م ) وظهر الفن الإغريقى في بداية القرن الرابع ق .م وانعكس الاهتمام في الفن على ما يجوز أن نطلق عليه الطابع الإنسانى ، فغدت الصفات الأساسية لهذا الفن هو الجمال الراقى حيث تميزت تعبيرات الوجوه  بالرقة وظهرت الملابس أكثر قربًا إلى الطبيعة دون الإفراط في رقتها وشفافيتها .

ولم يهتم الفن بما تم توارثه من تقاليد وأعراف ولم يهتم بالموضوعات ذات الطابع القومى اوالدينى ولكن تميز بالاتجاه إلى الفردية حيث رفع الأبطال إلى مكانة الألهة مثل ما فعل ليزبيوس في تماثيل الإسكندر ، واتجه الفن إلى الواقعية بدلًا من الكلاسيكية وكان نتيجة هذه الواقعية اهتمام الفنانون بالأجسام البشرية ودراستها والتفرقة بين جسد المرأة والرجل وبين كبارالسن والشباب أو الفتيان والأطفال وبين مميزات وصفات اليونانيين والأجانب الغرباء.

كما كانت الرمزية أيضًا سمة مميزة لهذا الفن في القرن الرابع حيث اتجه الفنانون إلى التعبير عن أفكارهم العميقة من خلال النحت ، كما تميز الفن في القرن الرابع بالتنوع حيث عبّر عن اتجاهات وتغيرات فكرية جديدة في السنوات الأخيرة  من القرن الخامس ق.م حيث نحت الفنانون الثياب التي تكشف عن مفاتن الجسد الإنسانى وبصفة خاصة النساء.

وكان الفنانون حتى بداية القرن السادس ق. م تتجلى شخصيتهم الفنية في التوقيع بأسمائهم على أعمالهم ، ويوضح لنا انتقال الفنانين من مدينة إلى أخرى صعوبة تحديد مميزات المدارس المتعددة والمتنوعة حيث ساهم هذا الانتقال بين المدن والأقاليم على التأثير والتأثر بين مختلف الفنانين كما كانت المعابد الكبرى فرصة جيدة لظهور طرز متعددة في مكان واحد نظرًا لتوافد الحجاج إليها من أماكن مختلفة يحملون معهم كل الصفات والمميزات الفنية التي تميزت بها مدنهم وأقاليمهم .

كما ساهمت أيضًا التجارة البحرية على توثيق وودعم الروابط والعلاقات الفنية بين مختلف الأقاليم والبلدان ،وقد تميز  الفنانون الإغريق إلى جانب الزخارف المنحوتة للكائنات الحية في صنع القوالب والوحدات الزخرفية المجردة على هيئة أشرطة ممتدة لتحديد الفواصل بين أسطح العناصر المعمارية المهمة كالأعتاب والأفاريز والعناصر المتنوعة للكورنيش.

وقد ظهرت هذه الأشرطة على هيئة حبات العقد والفواصل على هيئة البكرة وزخارف ورق الشجروالسهم والبيضة واللسان وأنصاف الدوائر والوريدات والأغصان المجدولة والمراوح النخيلية، والزخارف الخطية مثل الزخارف النونية والكافية والزخارف النردية المعقوفة والترسية والحلزونية والدرفيلية المتموجة وأحزمة الغار وزخارف أوراق الشجر الناقوسية المحورة . 

وهناك اتجاهات أساسية أربعة ظهرت في النحت الإغريقى أولًا الإتجاه الأناضولى الأيونى ،وفن البيلوبونير الذى اصطلح على تسميته بالفن الدُورى ،واتجاه الجزر السيكلادية الأيونى ، ثم الفن الأتيكى ، ومن الملاحظ أن الفن الإغريقى لم يكن فنًا جماعيًا منذ بدايته بل كان فرديًا عبقريًا . 

وتنقسم موضوعات النحت اليوناني إلى نوعين الأول يُصّور أساطير اليونان وقصص الأرباب والربات وبطولات أبطالهم اليونانيين، والثانى يُصّور الحياة اليومية وما يحدث فيها مثل المسابقات الرياضية والمصارعة ومناظر النساء والأطفال ومع الخادمات والنائحات عند القبور،ولم تصور الأحداث أو الحروب والمعارك التاريخية كما في الفن المصرى القديم والأشورى والرومانى إلا نادرًا.

وعند تناولها في التصوير تم تنفيذها في إطار محدد وبطريقة اسطورية عبارة عن صراعات بين الألهة والعمالقة أو بين الإغريق والأمازونات او بين اللابيت والقنطورى وفى بداية القرن الخامس ق.م بدات الدولة والمجتمع تخرج بالتماثيل الشخصية للأفراد أصحاب النفوذ والشأن من الدور إلى الأماكن العامة وظل هذا التقليد شائعًا حتى العصر " الهلينستى ".

واستخدم الإغريق في نحت تماثيلهم الضخمة الحجر الجيرى ،والرخام ،والبرونز ،والطين المحروق،والخشب ،والذهب ،والعاج والحديد أحيانًا،غير أن النماذج المصنوعة من الرخام والحجر هي التي بقيت حيث تحللت الثماثيل الخشبية بسبب الرطوبة والمناخ وسرقت التماثيل الذهبية والعاجية،أما البرونز فقد أُعيد صبه من جديد عند الحاجة اليه بينما تعرضت الثماثيل الحديد لعوامل الصدا.

وكانت أعمال تنفيذ التماثيل الحجرية تتم من خلال النحت المباشر في العصور المبكرة حيث لم تظهر طريقة تحديد النقط والعلامات إلا في العصر الرومانى وهى الطريقة التي يمكن بها محاكاة النوذج المطلوب تنفيذه عدة مرات باستخدام قالب معد ، واستخدم الإغريق من الأدوات المنشار والمثقاب ومختلف أنواع الأزاميل واستحدث المثقاب المتحرك في القرن الخامس قبل الميلاد .

وقام بعض الفنانون الإغريق بنحت أطراف الجسد مستقلة مثل الرؤوس والأذرع الممتدة وتثبيتها مع بعضها البعض باستخدام دسر معدنية وألسنة حجرية مبيتة عادة في الرصاص المنصهر مع لصق الأجزاء الأخرى،وكانت التماثيل المصنوعة من الحجر الجيرى والرخام تطلى بالألوان التي اختفى معظمها حيث لجأ اليونانيون إلى إضافة الأحجار المختلفة إلى التمثال فيكفَّتون العينين بحجر ملون أو زجاج او عاج ، ويُشّكلون خصلات الشعر من المعدن ويزينون التماثيل ويحلونها بالتيجان والأكاليل والقلائد والقراط وبالحراب المعدنية والسيوف وأعنة الخيل التي لم يبقى منها سوى ثقوب الوصلات.

أما التصوير الإغريقى  فقد ظهر جنبًا إلى جنب مع فنون العمارة والنحت وذاعت شهرة اثنين من المصورين في القرن الخامس ق.م هما بوليغنوتوس ، وأبوللودوروس  حيث اهتم الفنانون بالألوان الزاهية وتنفيذ صور مستوحاة من أعمال أدبية مشهورة مثل الأوديسا ، ومناظر الحياة اليومية.

الفن الهيلينستى : 

 الهيلينستية هي ترجمة للمعنى الألمانى ((hellenizein،وهو التحدث باللغة اليونانية السليمة أو التخلق بالسلوك اليوناني الأصيل،وبمعنى آخر هو تقليد الإغريق فى طريقة حياتهم وثقافتهم وعاداتهم ،وهو يُمثل فن المرحلة التالية الأدنى كلاسيكية للفن الإغريقى وتبدأ من عام (300 – 100 ق.م ) وأُطلق هذا المصطلح على الفن والعمارة اليونانية الرومانية .

وقد ساهمت فتوحات الملك فيليب المقدونى والإسكندر الأكبر ( 356- 323 ق.م ) والمدن الجديدة التي أقامها الخلفاء من بعدهم إلى اتساع رقعة العالم اليونانى ، وتحول مركز الحكم  إلى مصر وآسيا الصغرى وسوريا ، وظهرت اتجاهات فنية جديدة تنشر الحضارة الهلينية في الإمبراطورية الشرقية ذات الإتجاه الإغريقى بعد الامتزاج بالحضارات الشرقية وما تميزت به من تقاليد عريقة .

مما كان له عضيم الأثر في إحداث طفرة فنية وتغيرات ساهمت في إضفاء الواقعية في التصميم والحركة والتعبير وتركزت الموضوعات الفنية في تصوير جسم الإنسان والاهتمام بحركة الجسم  والمبالغة في  إظهار دقة ورقة الملابس والثياب ، والتعبير عن الشخصية الأدمية والإنفعالات البشرية  بأسلوب واقعى .

وانتشر التقدم والتطور الفني في جميع أنحاء الإميراطورية وأقاليم العالم الهلينستى مما ساعد على ظهور العمق  والواقعية في تصاوير مدرسة الإسكندرية ، وفي مملكة برغامون ، كما ظهر الأسلوب التقليدي اليوناني التي ترتكز على الموضوعات التقليدية والتكوينات الكلاسيكية ، كما ساد اتجاه نحو تصوير المناظر المفعمة بالحيوية والنشاط والحياة مثل المناظر الطبيعية ومناظر الرعى .

وقد سادت هذه القواعد والأساليب الفنية  في أنحاء العالم الهيلينستى  ، وكان المقياس الفني  لهذه الأعمال في تلك الفترة هو الجمع بين الجمال والقوة ، وأصبحت المبالغة عنصرُا من عناصر الجمال والتأكيد على  الدقة والواقعية هو الأسلوب المبتكر في فن النحت ، ونفذ الفنانون ذلك على تماثيل الأبطال الأسطورية حيث تم نحت أجسادهم بأحجام كبيرة ، وفى دمج إيحاءات الحركة بالقوة وتعظيم الإنجازات . 

وفى عصر الإسكندر ترعرعت وتبلورت المذاهب الفنية التي ما لبثت أن أتت أُكلها بعد ذلك فى العصور المتعاقبة ، ولم يكتفى الفنان بالتعبير عن القوة العظيمة للجسم البشرى وشكله وصفاته ومميزاته فقط ، لكن اتجه إلى التعبير عن المعانى الباطنية التي تختلج وتموج بها النفس الإنسانية ، والإبحار والغوص داخل أعماق هذه النفس ، وإظهار المعانى والرموز الكامنة بداخلها  بحرية وعمق .

وكانت أشكال الوجوه البشرية التي استطاع " ليزبيوس " أن يُبينّها ويُوضّحها في تماثيله للتعبير عن المعاناة  بلغة فنية ، وأيقن الناس أن هذا الكون يموج بعوالم أخرى غيرهم مثل عالم الحيوان والنبات والجماد الذى يُحيط بهم فانصرف الفنانون إلى التعرف على ما حولهم من عوالم وإشراكها معهم في ابداعاتهم ،لذلك فإن الهيلينستية هي صفة تطلق على غير الإغريق ، وقد استخدم المؤرخون هذا اللفظ  للإشارة على اتصال واندماج الحضارات فى الشرق بالغرب فى تلك الفترة حيث كانت الحضارة الإغريقية هي السائدة فى العالم .

والواقع أن الحضارة الإغريقية  ظلت جامدة  وبعيدة عن التطور فى بلادها قبل أن تختلط بالبلاد من حولها فأسهم هذا الإختلاط والتقارب بظهور ابداعات جديدة داخل اليونان وخارجها شارك فيها اليونانيون وغيرهم بنصيب كبير ، حيث انتشرت اللغة اليونانية وكان لها عظيم الأثر في الجمع بين الثقافات المختلفة تحت عباءة واحدة وهى الثقافة اليونانية .

 

ويمكن تقسيم العصر الهيلينستى إلى ثلاثة فترات الأولى تمتد ما بين عامي ( 323 – 280 ق.م ) وتمثل مرحلة  الضعف وانفراط عقد الإمبراطورية اليونانية التي كونها الإسكندر إلى عدد من الدول الجديدة ، والفترة الثانية ما بين عامي ( 280 – 180 ق.م ) وهى فترة الإزدهار الفني و العلمى والفلسفى للحضارة اليونانية ،  أما الفترة الثالثة فتمتد ما بين عامي ( 160 – 30 ق.م ) وهى فترة الضعف السياسى وتسلل الروحانية الوافدة من الشرق .

وفى أواخر القرن الثالث ق.م أدى ظهور العواصم الفنية المهمة في الأقاليم والمدن الجديدة التي نشأت بعد الإسكندر والاهتمامات المتنوعة بالفنون والصناعات والحرف إلى ظهور اتجاهات فنية جديدة تميز ذلك العصر من خلال التماثيل والصور والعمارة ، فقام الفنانون في العواصم الجديدة كالإسكندرية ، وأنطاكية ، وبرغامون ، بدعم وتشجيع من الساسة والحكام  بتناول موضوعات تختلف عن تلك التي ألفوها وعرفوها في اليونان

الإغريق في مصر : 

عاش الأغريق في مصر قبل أن يغزوها الإسكندر عام 332 ق.م بفترة كبيرة وقد وفد الإغريق إلى مصر في جماعات منذ القرن السابع ق.م ولعبوا دورًا مهمًا في مصر حيث وفدوا في البداية كجنود مرتزقة ثم تجار ثم سائحين وعملوا مستشارين ملكيين ورؤساء للجيش ، ثم استقروا في المدن الجديدة بعد الفترة الثانية للغزو الفارسى مثل الإسكندرية أو في الريف وخاصة الفيوم حيث امتهن الإغريق أعمال الزراعة .

وقد ظهر في مصر مجتمع مختلط نتيجة اتصال المصريين بالإغريق ، ومارس الإغريق العادات المصرية حيث عبدوا الألهة المصرية التي تساوت مع ألهتهم ، وظهر الفن اليوناني ذو الصبغة المصرية كما في جبانة هرموبوليس ، وأصبحت اللغة الإغريقية هي اللغة الرسمية واستمرت حتى ظهور الرومان ونشأة الإمبراطورية الرومانية ، وأقيمت المسارح والحمامات والملاعب والمعابد الإغريقية بجوار المعابد المصرية .  

author-img
نشأت للمعلومات التاريخية والأثرية

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent