الملك فيليب المقدونى :
بدأت على يديه ظهور قوة
اليونان ، حيث وحّد جزءًا من اليونان قبل الهجوم على الفرس لاستعادة السيطرة على
المدن اليونانية التي كانت تحت سيطرة
الفرس ، وكانت المهمة الأولى لفليب عند اعتلائه العرش هي تحرير مقدونيا من تهديد
البرابرة ، واستطاع أن يهزمهم ، وقد قدّم ملك ابيروس لفليب معترفًا بفضله فى
التخلص من الاليريين ابنته أُوليمبياس عروسًا له ، وهى التي أنجبت له الإسكندر سنة
256 ق. م .
ومات هذا الملك سنة 336 ق.م دون
تحقيق هدفه ، وقد ورث الإسكندر كل انتصارات والده الملك فليب والثروات التي كونها
أبيه عند اعتلائه العرش ، كما ورث
الإسكندر مشاكل المقدونيين حتى استقرت ودانت له الأمور .
الإسكندر الأكبر :
خلف الإسكندر والده على عرش مقدونيا فى عام
336 ق.م وهو دون العشرين من عمره ، ومات
ولم يُكمل الثالثة والثلاثين ، وبالرغم من ذلك فقد استطاع خلال هذه الفترة الوجيزة
أن يصنع بطولات عظيمة ويحقق انتصارات وفتوحات ليس لها نظير فى التاريخ القديم أو
الحديث ، وأصبح فى هذه الفترة سيد العالم
وبسط سيطرته على معظم أرجاء المعمورة ،
ومات فى قصره فى بابل عام 323 ق. م بعد صراع مع المرض لم يدم طويلًا .
مات هذا
العملاق المحارب والعبقرى البارع والفارس الشجاع المنتصر المتسامح مع أهل البلاد
المهزومة والخاضعة لسلطانه وسيطرته ، الذى قاد الحملات العسكرية ضد بلاد فارس وسيطر على
أجزاء كبيرة من العالم ،فهذا الرجل نموذج
فريد من القادة العظام،ظن أنه مبعوث العناية الألهية لاتحاد هذا العالم على
العدل والمساواة وتقديم رسالة اليونان العظمى للعالم المتحضر، وإزالة الحواجز بين الأمم والممالك .
فقد تمكن
هذا القائد الفذ من السيطرة على نصف الكرة الأرضية فى غضون اثنى عشرة سنة ، وبالرغم من قوته وسطوته إلا أنه كان دائما
يتودد إلى أصحاب البلاد المفتوحة ويكسب ولائهم
ومودتهم ، وينشر ثقافة اليونان بينهم ، وقد تأثر الإسكندر الأكبر بكبار
فلاسفة اليونان ، وكان معلمه هو الفيلسوف الشهير أرسطو وهو من أعظم المفكرين والذى
كان له كبير الأثر فى تقافة وتعليم هذ القائد العظيم ، فقد غرس فى نفس الإسكندر حب
هومرالذى ظل معه طوال حياته ، واعترف لأرسطو بالفضل فى أنّه غرس فيه القيم ، وان
تكون حياة الإنسان ذات قيمة وهدف نبيل ،
وأن يُقدم فيها ما يستطيع تقديمه .
وقد
اتجه الإسكندر إلى مصر ودخلها دون مقاومة فى أواخر سنة 332 ق. م ، قادمًا من الشرق بعد هزيمة الملك الفارسى دارا
الثالث واستيلاؤه على مدينة صور ، فقد وصل الإسكندر ممفيس ودخلها ، وزار معبد الأله بتاح ، ولم يجد أي صعوبة فى اخضاع البلاد له ، فقد
رأه المصريون المخلص لهم من حكم الفرس ، فأصبح ملكًا على مصر فى معبد بتاح ، وفى ممفيس قدم القرابين ، وتَوّجَه الكهنة فرعونًا على مصر .
ثم عبر
النيل إلى مصب الفرع الكانوبى حيث أسس الإسكندرية
عام 332 ق.م وقد تسمت باسمه ،
وكانت مدينة ذات أهمية تجارية كبيرة ومركزًا للفكر والشعر والإبداع والتعليم
، كما كانت ذات مركزًا دينيًا عظيمًا ، وظلت الإسكندرية بشهرتها التي امتدت فى
العالم القديم مركزًا للفكر والإبداع فى
مختلف العلوم فى الوقت الذى صارت فيه روما
سيدة العالم ، ثم سافر عبر الصحراء إلى
واحة سيوة لكى يصلى فى معبد زيوس آمون ، وهناك أعلنه الكهنة ابنًا للأله .
إنّ عظمة الإسكندر كقائد عسكرى قد أبهرت
معاصريه ، ودفعت الكثيرين على مر التاريخ لمحاولة
تقليده ، ومازال وقع الحديث عن انجازت هذا القائد الكبير لها السحر والجاذبية عند
من يسمعها ، لقد كان هذا البطل المقدونى قادرًا على نشر أفكاره ومحبًا لجنوده ،
يتصف بالكرم والشجاعة ، وفى نفس الوقت بالقوة والشراسة وقسوة القلب ، وانتشرت الأقاويل حول الإسكندر تقول بأنّه
فوق مستوى البشر .
الإسكندر الأكبر فى رؤيا النبى دانيال :
لقد أصبحت اللغة
اليونانية بفضل نفوذ الإسكندر الأكبر والأسرات العظيمة لقواده الذين خلفوه لغة
عالمية من أسبانيا حتى نهر الفرات ، وهكذا قامت اليونان بمهمة حضارية ، فقد أشارت رؤيا دانيال إلى مدى ما بلغه
الإسكندر الأكبر من قوة حيث أصبح أعظم
محارب فوق ظهر الأرض استطاع أن يحقق كل طموحاته فلم يترك جزًا على سطح الأرض إلا
داسه ووطأه وملكه .
ولكن بعد موته وهو فى
قمة انتصاراته وفتوحاته تم القضاء على أُسرته كلها بالمؤامرات والدسائس ، وامتلك قواده الأربعة بعد موته مقاليد السلطة
والحكم " لبسيماكوس " ملك وسيطر على تراقيا وبيثينية ، و" كاسندر" سيطرعلى مقدونيا واليونان ، و" سلوخس " سيطر وملك سوريا وبابل
والشرق ، و" بطليموس " ملك مصر
وفلسطين وبلاد العرب وبيتريا .
فقد جاء فى الكتاب المقدس ، سفر دانيال ، الإصحاح
الثامن ، الآيات من ( 3 – 23 ) .} ورأيت فى الرؤيا وأنا عند
نهر أُولاى ، فرفعت عينى ورأيت واذا بكبش واقف عند النهر وله قرنان عاليان والواحد
أعلى من الآخر والأعلى طالع أخيرًا ، رأيت الكبش ينطح غربًا وشمالًا وجنوبًا فلم
يقف حيوان قدامه ولا منقذ من يده وفعل كمرضاته وعَظُم ، وبينما كنت متأملًا اذا
بتيس من المعز جاء من المغرب على وجه كل الأرض ولم يمّس الأرض وللتيس قرن معتبر
بين عينيه ، وجاء إلى الكبش صاحب القرنين الذى رأيته واقفًا عند النهر وركض إليه
بشدة قوته .
ورأيته قد وصل إلى جانب الكبش فاستشاط عليه وضرب الكبش وكسر قرنيه فلم
تكن للكبش قوة على الوقوف أمامه وطرحه على الأرض وداسه ولم يكن للكبش منقذ من يده
، فتعظّم تيس المعز جدًا ولما اعتز انكسر القرن العظيم وطلع عوضًا عنه أربعة قرون
معتبرة نحو رياح السماء الأربع ، ومن واحد منها خرج قرن صغير وعَظُم جدًا نحو
الجنوب ونحو الشرق ونحو فخر الأراضى وداسهم ، وحتى إلى رئيس الجند تعظّم وبه ابطلت
المحرقة الدائمة وهُدِم مسكن مقدسيه .
فسمعت قدوسًا واحدًا يتكلم فقال قدوس واحد
لفلان المتكلم إلى متى الرؤيا من جهة المحرقة الدائمة ومعصية الخراب لبذل القدس والجند مدوسين ، فقال لى إلى ألفين
وثلاث مئة صباح ومساء فيتبرأ القدس ، وكان لما رأيت أنا دانيال الرؤيا وطلبت
المعنى اذا بشبه انسان واقف قبالتى ، وسمعت صوت انسان بين أُولاى فنادى وقال يا
جبرائيل فهّم هذا الرجل الرؤيا ، فجاء إلى حيث وقفت ولما جاء خفت وخررت على وجهى .
فقال لى افهم يا ابن آدم أنّ الرؤيا لوقت المنتهى ، واذا كان يتكلم معى كنت مسبخًا
على وجهى إلى الأرض فلمسنى وأوقفنى على مقامى ، وقال هانذا أُعرّفك ما يكون فى آخر
السخط لأنَّ لميعاد الانتهاء ، أما الكبش الذى رأيته ذا القرنين فهو ملوك مادى
وفارس ، والتيس العافى ملك اليونان والقرن العظيم الذى بين عينيه هو الملك الأول ،
واذا انكسر وقام أربعة عوضًا عنه فستقوم أربعة ممالك من الأمة ولكن ليس فى
قوته { .
الإسكندر الأكبر فى تفاسير القرآن :
فقد أجمعت معظم تفاسير القرآن الكريم على أنّ الإسكندر الأكبر
هو ذو القرنين المذكور فى سورة الكهف حيث
يذكر صاحب تفسير جامع البيان في تفسير
القرآن الإمام الطبري (ت 310 هـ) فى تفسير قوله
تعالى { وَيَسْأَلُونَكَ عَن
ذِي ٱلْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُواْ عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْراً } { إِنَّا
مَكَّنَّا لَهُ فِي ٱلأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً } ، إنّ أقواماً من أهل الكتاب سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمر ذي القرنـين ،
فقال : " جئتـم تسألونـي عن ذي القرنـين ، وما تـجدونه فـي كتابكم : كان
شاباً من الروم ، فجاء فبنى مدينة بمصر" الإسكندرية " .
واختلف أهل العلـم فـي الـمعنى الذي من أجله قـيـل لذي
القرنـين : ذو القرنـين ، فقال بعضهم : قـيـل له ذلك من أجل أنه ضُرِب علـى قَرنه
فهلك ، وسأل ابن الكوّاء علـياً رضى الله عنه عن ذي
القرنـين ، فقال : هو عبد أحبّ الله فأحبه ، وناصح الله فنصحه، فأمرهم بتقوى الله
فضربوه علـى قَرْنه فقتلوه، ثم بعثه الله ، فضربوه علـى قرنه فمات.
وجاء فى تفسير الكشاف للإمام الزمخشري (ت 538 هـ) أنّ ذو القرنين هو الإسكندر الذي ملك الدنيا ، فقد قيل ملك الدنيا أربع هم ذو
القرنين ، وسليمان ، و نمروذ ، وبختنصر ، واختلف فيه فقيل كان عبداً صالحاً ملكه
الله الأرض ، وأعطاه العلم والحكمة ، وألبسه الهيبة وسخر له النور والظلمة ، فإذا
سرى يهديه النور من أمامه وتحوطه الظلمة من ورائه.
وسمي ذا القرنين لأنه طاف قرني
الدنيا يعني جانبيها شرقها وغربها ، وقيل كان له قرنان ، أي ضفيرتان ، وقيل
انقرض في وقته قرنان من الناس ، وعن وهب رضى الله عنه قال : لأنه ملك الروم وفارس ، وروي الروم والترك ، وقيل عنه كانت صفحتا رأسه من نحاس ، وقيل كان لتاجه قرنان ، وقيل كان
على رأسه ما يشبه القرنين ، ويجوز أن يلقب بذلك لشجاعته كما يسمى الشجاع كبشاً لأنه
ينطح أقرانه ، وكان من الروم ولد عجوز ليس لها ولد غيره .
وجاء فى تفسير مفاتيح
الغيب ، التفسير الكبير للرازي (ت 606 هـ) اختلف الناس في أن ذا القرنين من هو
وذكروا فيه أقوالاً : منها أنّه هو
الاسكندر بن فيلبوس اليوناني قالوا والدليل عليه أن القرآن دل على أن الرجل المسمى
بذي القرنين بلغ ملكه إلى أقصى المغرب بدليل قوله :{ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ
ٱلشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِى عَيْنٍ حَمِئَةٍ } [الكهف: 86] وأيضاً بلغ ملكه
أقصى المشرق بدليل قوله :{ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ ٱلشَّمْسِ } [الكهف: 90]
.
وأيضاً بلغ ملكه أقصى الشمال بدليل أن يأجوج ومأجوج قوم من الترك يسكنون في أقصى
الشمال ، وبدليل أن السد المذكور في القرآن يقال في كتب التواريخ إنه مبني في أقصى
الشمال ، فهذا الإنسان المسمى بذي القرنين في القرآن قد دل القرآن على أن ملكه بلغ
أقصى المغرب والمشرق ، وهذا هو تمام القدر المعمور من الأرض ، ومثل هذا الملك
البسيط لا شك أنه على خلاف العادات ، وما كان كذلك وجب أن يبقى ذكره مخلداً على
وجه الدهر وأن لا يبقى مخفياً مستتراً .
والملك الذي اشتهر في كتب التواريخ أنه بلغ
ملكه إلى هذا الحد ليس إلا الإسكندر ، وذلك لأنه لما مات أبوه جمع ملوك الروم بعد
أن كانوا طوائف ، ثم جمع ملوك المغرب
وقهرهم ، وأمعن حتى انتهى إلى البحر الأخضر ، ثم عاد إلى مصر فبنى الإسكندرية
وسماها باسم نفسه ، ثم دخل الشام وقصد بني إسرائيل وورد بيت المقدس وذبح في مذبحه ،
ثم انعطف إلى أرمينية وباب الأبواب ، ودانت له العراقيون والقبط والبربر.
ثم توجه
نحو دارا بن دارا وهزمه مرات إلى أن قتله صاحب حرسه ، فاستولى الإسكندر على ممالك
الفرس ، ثم قصد الهند والصين ، وغزا الأمم البعيدة ، ورجع إلى خراسان وبنى المدن
الكثيرة ، ورجع إلى العراق ومرض بشهرزور ومات بها، فلما ثبت بالقرآن أن ذا القرنين
كان رجلاً ملك الأرض بالكلية ، أو ما يقرب منها ، وثبت بعلم التواريخ أن الذي هذا
شأنه ما كان إلا الإسكندر وجب القطع بأن المراد بذي القرنين هو الإسكندر بن فيلبوس
اليوناني .
ثم ذكروا في سبب تسميته بهذا الاسم وجوهاً ، الأول : أنه لُقبّ بهذا
اللقب لأجل بلوغه قرني الشمس أي مطلعها ومغربها ، كما لقب أردشير بن بهمن بطويل اليدين
لنفوذ أمره حيث أراد ، وذكروا في تسميته
بذي القرنين وجوهاً : أنّه سمي بذي القرنين
لأنه انقرض في وقته قرنان من الناس ، وقيل كان صفحتا رأسه من نحاس ، أو كان على
رأسه ما يشبه القرنين ، وقيل كان لتاجه قرنان ، وقيل لأنه طاف قرني الدنيا يعني
شرقها وغربها ، وقيل كان له قرنان أي ضفيرتان .
كما قيل أن الله تعالى سخر له
النور والظلمة فإذا سرى يهديه النور من أمامه وتمده الظلمة من ورائه ، وورد أيضًا
يجوز أن يلقب بذلك لشجاعته كما يسمى الشجاع كبشاً كأنه ينطح أقرانه ، كما قيل أنّه
رأى في المنام كأنه صعد الفلك فتعلق بطرفي الشمس وقرنيها وجانبيها فسمي لهذا السبب
بذي القرنين.
وجاء فى تفسير الجامع
لاحكام القرآن للقرطبي (ت 671 هـ) قال ابن إسحٰـق : وكان من خبر ذي
القرنين أنه أوتي ما لم يؤت غيره ، فمدت له الأسباب حتى انتهى من البلاد إلى مشارق
الأرض ومغاربها ، لا يطأ أرضاً إلا سُلِّط على أهلها ، حتى انتهى من المشرق
والمغرب إلى ما ليس وراءه شيء من الخلق .
قال ابن إسحٰـق : حدّثني من يسوق الأحاديث
عن الأعاجم فيما توارثوا من علم ذي القرنين أن ذا القرنين كان رجلاً من أهل مصر
اسمه مرزبان بن مردبة اليونانيّ من ولد يونان بن يافث بن نوح ، قال ابن هشام : واسمه
الإسكندر، وهو الذي بنى الإسكندرية فنسبت إليه ، واختلف في اسم ذي القرنين وفي
السبب الذي سمي به بذلك اختلافاً كثيراً فأما اسمه فقيل : هو الإسكندر الملك
اليوناني المقدوني ، وقد تشدّد قافه فيقال : المقّدوني.
وقيل: اسمه هرمس ، ويقال : اسمه هرديس ، وقال ابن هشام : هو الصعب بن ذي يزن
الحِميريّ من ولد وائل بن حمير ، وقال وهب بن منبه : هو رومي ، وذكر الطبريّ حديثاً
عن النبيّ عليه الصلاة والسلام : أن ذا القرنين شابٌّ من الروم ، وهو حديث واهي
السّند قاله ابن عطية.
وأما الاختلاف في السبب الذي سمّي به، فقيل: إنه كان ذا
ضفيرتين من شعر فسمي بهما ذكره الثعلبي وغيره ، والضفائر قرون الرأس وقيل : إنه رأى في أوّل ملكه كأنه قابض على قرني الشمس ، فقص ذلك ، ففسر أنه
سيغلب ما ذرّت عليه الشمس ، فسمي بذلك ذا القرنين ، وقيل : إنما سمي بذلك لأنه بلغ
المغرب والمشرق فكأنه حاز قرني الدنيا.
وقالت طائفة : إنه لما بلغ مطلع الشمس كشف
بالرؤية قرونها فسمي بذلك ذا القرنين أو قرني الشيطان بها ، وقال وهب بن منبه : كان
له قرنان تحت عمامته ، وروي أن جميع ملوك الدنيا كلها أربعة : سليمان بن داود وإسكندر،
ونمرود وبختنصر، وقوله تعالى :{ إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي ٱلأَرْضِ } قال عليّ رضي
الله عنه : سخر له السحاب ، ومُدَّت له الأسباب ، وبُسط له في النور، فكان الليل
والنهار عليه سواء.
وفي حديث عقبة بن عامر
" أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال لرجال من أهل الكتاب سألوه عن ذي القرنين
فقال : إن أوّل أمره كان غلاماً من الروم فأعطي ملكاً فسار حتى أتى أرض مصر فابتنى
بها مدينة يقال لها الإسكندرية ، وقال وهب بن منبّه : كان ذو القرنين رجلاً من الروم
ابن عجوز من عجائزهم ليس لها ولد غيره وكان اسمه الإسكندر، فلما بلغ وكان عبداً
صالحاً قال الله تعالى : يا ذا القرنين! إني باعثك إلى أمم الأرض وهم أمم مختلفة
ألسنتهم ، وهم أمم جميع الأرض ، وهم أصناف .
وورد فى تفسير القرآن العظيم لابن كثير (ت 774 هـ) وقد أورد ابن جرير ههنا،
والأموي في مغازيه ، حديثاً أسنده ، وهو ضعيف ، عن عقبة بن عامر أن نفراً من اليهود
جاؤوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم عن ذي القرنين ، فأخبرهم بما جاؤوا له
ابتداء، فكان فيما أخبرهم به أنه كان شاباً من الروم ، وأنه بنى الاسكندرية ، وأنه
علا به ملك إلى السماء ، وذهب به إلى السد ، ورأى أقواماً وجوههم مثل وجوه الكلاب ،
وفيه طول ونكارة ، ورفعه لا يصح .
والعجب أن أبا زرعة الرازي مع جلالة قدره ، ساقه
بتمامه في كتابه " دلائل النبوة " ، وذلك غريب منه ، وفيه من النكارة أنه
من الروم ، وإنما الذي كان من الروم الاسكندر الثاني ، وهو ابن فيليبس المقدوني الذي
تؤرخ به الروم ، فأما الأول ، فقد ذكر الأزرقي وغيره أنه طاف بالبيت مع إبراهيم
الخليل عليه السلام أول ما بناه ، وآمن به واتبعه، وكان وزيره الخضر عليه السلام .
وأما الثاني ، فهو اسكندر بن فيليبس المقدوني اليوناني ، وكان وزيره ارسطاطاليس
الفيلسوف المشهور . وهو الذي تؤرخ من مملكته ملة الروم ، وقد كان قبل المسيح عليه
السلام بنحو ثلثمائة سنة ، وقال وهب بن منبه كان ملكاً، وإنما سمي ذا القرنين لأن
صفحتي رأسه كانتا من نحاس ، قال وقال بعض أهل الكتاب لأنه ملك الروم وفارس، وقال
بعضهم كان في رأسه شبه القرنين ، ويقال إنه إنما سمي ذا القرنين لأنه بلغ المشارق
والمغارب من حيث يطلع قرن الشمس ويغرب.
وقوله{ إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ
فِي ٱلأَرْضِ } أي أعطيناه ملكاً عظيماً ممكناً فيه من جميع ما يؤتى الملوك من
التمكين والجنود وآلات الحرب والحصارات ، ولهذا ملك المشارق والمغارب من الأرض ،
ودانت له البلاد ، وخضعت له ملوك العباد ، وخدمته الأمم من العرب والعجم ، ولهذا
ذكر بعضهم أنه إنما سمي ذا القرنين لأنه بلغ قرني الشمس مشرقها ومغربها.
وهكذا
ذو القرنين ، يسر الله له الأسباب ، أي الطرق والوسائل إلى فتح الأقاليم والرساتيق
والبلاد والأراضي ، وكسر الأعداء وكبت ملوك الأرض ، فقد أوتي من كل شيء مما يحتاج
إليه مثله سبباً ، وفي المختارة للحافظ الضياء المقدسي من طريق قتيبة عن أبي عوانة
عن سماك بن حرب عن حبيب بن حماز قال كنت عند علي رضي الله عنه، وسأله رجل عن ذي
القرنين كيف بلغ المشرق والمغرب؟ فقال سبحان الله سخر له السحاب، وقدر له الأسباب ،
وبسط له اليد.
وذكر البيضاوى (ت 685 هـ ) فى تفسيره انوار التنزيل واسرار التأويل {
وَيَسْـئَلُونَكَ عَنِ ذِى ٱلْقَرْنَيْنِ } يعني إسكندر الرومي ملك فارس والروم .، كما
جاء مثل ذلك فى تفسير الجلالين للسيوطي المحلى (ت
864 ) بقوله اسمه الإسكندر ولم يكن نبياً ، وقال الإمام
الشوكانى ( ت 1250 هـ ) فى تفسيره
فتح القدير : واختلفوا في ذي القرنين
اختلافاً كثيراً، فقيل هو الإسكندر بن فيلقوس الذي ملك الدنيا بأسرها اليوناني
باني الإسكندرية.
وقال ابن إسحاق هو رجل من أهل مصر، اسمه مرزبان بن مرزبة
اليوناني ، من ولد يونان بن يافث بن نوح ، وقيل هو ملك اسمه هرمس ، وقيل ملك اسمه هردبس
، وقيل شاب من الروم ، وقيل اسمه عبد الله بن الضحاك ، وقيل مصعب بن عبد الله من أولاد
كهلان بن سبأ ، وحكى القرطبي عن السهيلي أنه قال إن الظاهر من علم الأخبار أنهما
اثنان أحدهما كان على عهد إبراهيم عليه السلام ، والآخر كان قريباً من عيسى عليه
السلام وقيل هو أبو كرب الحميري .
ورجح الرازي القول الأوّل ، قال : لأن من بلغ ملكه
من السعة والقوّة إلى الغاية التي نطق بها التنزيل إنما هو الإسكندر اليوناني كما
تشهد به كتب التاريح ، قال فوجب القطع بأن
ذا القرنين هو الإسكندر، قال وفيه إشكال لأنه كان تلميذاً لأرسطاطاليس الحكيم ،
وكان على مذهبه ، فتعظيم الله إياه يوجب الحكم بأن مذهب أرسطاطاليس حق وصدق ، وذلك
مما لا سبيل إليه.
قال النيسابوري قلت ليس كل ما ذهب إليه الفلاسفة باطلاً فلعله
أخذ منهم ما صفا وترك ما كدر ، ورجح ابن كثير ما ذكره السهيلي أنهما اثنان كما
قدّمنا ذلك ، وبين أن الأوّل طاف بالبيت مع إبراهيم أوّل ما بناه وآمن به واتبعه
وكان وزيره الخضر ، وأما الثاني فهو الإسكندر المقدوني اليوناني ، وكان وزيره
الفيلسوف المشهور أرسطاطاليس ، وكان قبل المسيح بنحو من ثلثمائة سنة.
فأما الأوّل
المذكور في القرآن فكان في زمن الخليل ، هذا معنى ما ذكره ابن كثير في تفسيره
راوياً له عن الأزرقي وغيره ، ثم قال وقد ذكرنا طرفاً صالحاً في أخباره في كتاب
البداية والنهاية بما فيه كفاية ، وحكى أبو السعود في تفسيره عن ابن كثير أنه قال
وإنما بينا هذا يعني أنهما اثنان ، لأن كثيراً من الناس يعتقد أنهما واحد، وأن
المذكور في القرآن العظيم هو هذا المتأخر، فيقع بذلك خطأ كبير وفساد كثير، كيف لا،
والأوّل كان عبداً صالحاً مؤمناً، وملكاً عادلاً، ووزيره الخضر، وقد قيل إنه كان
نبياً .
وأما الثاني فقد كان وزيره إرسطاطاليس الفيلسوف، وكان ما بينهما
من الزمان أكثر من ألفي سنة ، فأين هذا من ذاك ؟ ، قلت لعله ذكر هذا في الكتاب الذي
ذكره سابقاً، وسماه بالبداية والنهاية ولم يقف عليه ، والذي يستفاد من كتب التاريخ
هو أنهما اثنان ، كما ذكره السهيلي والأزرقي وابن كثير وغيرهم ، لا كما ذكره الرازي وادّعى أنه الذي تشهد به كتب
التواريخ .
وفى تفسير بحر العلوم للسمرقندي (ت 375 هـ) قال كان اسمه اسكندر ، وروي عن وهب بن منبه أنه
قيل له لما سمي ذا القرنين فقال اختلف فيه أهل الكتاب فقال بعضهم لأنه ملك الروم
وفارس ، وقال بعضهم لأنه كان في رأسه شبه القرنين وقال بعضهم : لأنه بلغ قرني الشمس
مشرقها ومغربها فسماه الملك الذي عند قاف ذا القرنين ويقال: رأى في المنام أنه دنى
من الشمس وأخذ منها فقص رؤياه على قومه فسموه ذا القرنين .
وجاء فى تفسير النكت والعيون للماوردي (ت 450
هـ) بقوله لقد اختلف فيه ، قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه لم يكن نبياً ولا مَلَكاً، ولكنه
كان عبداً صالحاً أحب الله وأحبه الله، وناصح لله فناصحه الله ، واختلف في تسميته
بذي القرنين على أربعة أقاويل أحدها : لقرنين في جانبي رأسه على ما حكى علي بن أبي
طالب رضي الله عنه ، الثاني : لأنه كانت له ضفيرتان فَسُمِّيَ بهما ذو القرنين قاله الحسن ، الثالث : لأنه بلغ طرفي
الأرض من المشرق والمغرب ، فَسُمِّيَ لاستيلائه على قرني الأرض ذو القرنين قاله
الزهري ، الرابع : لأنه رأى في منامه أنه دنا من الشمس حتى أخذ بقرنيها في شرقها
وغربها ، فقص رؤياه على قومه فَسُمِّيَ ذو القرنين .
وفى تفسير معالم التنزيل للبغوي
(ت 516 هـ) قال وما عليه الأكثرون أنه كان
ملكاً عادلاً صالحاً ، واختلفوا في
اسمه ، قيل : اسمه " مرزبان بن مرزبة اليوناني " من ولد يونان بن يافث
بن نوح ، وقيل : اسمه " الاسكندر بن فيلفوس بن ياملوس الرومي " ، وقال معاذ بن جبل : كان رومياً اسمه الاسكندروس ، وقال ابن هشام : هو
الإِسكندر وهو الذي بنى الإسكندرية ، وقوله عز وجل : { إِنَّا مَكَنَّا لَهُ فِي
الأَرْضِ } يحتمل وجهين أحدهما: باستيلائه على ملكها ، الثاني : بقيامه بمصالحها .
وقال ابن عطية ( ت 546هـ ) فى تفسيره المحرر
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز : و" ذو
القرنين " هو الإسكندر الملك اليوناني المقدوني ، وقد تشدد قافه، فيقال
المقدوني ، وذكر ابن إسحاق في كتاب الطبري أنه يوناني ، وقال وهب بن منبه هو رومي ،
وذكر الطبري حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم " أن ذا القرنين شاب من
الروم " وهو حديث واهي السند، واختلف الناس في وجه تسميته بـ { ذي القرنين }
، فأحسن الأقوال أنه كان ذا ضفرتين من شعر هما قرناه، فسمي بهما، والضفائر قرون
الرأس ، وقال وهب بن منبه كان له قرنان
تحت عمامته.
وذكر ابن الجوزى ( ت 597 هـ ) فى تفسير زاد المسير في علم التفسير : أنّ العلماء قد اختلفوا في اسم ذي القرنين على أربعة أقوال أحدها أنّه الاسكندر ، قاله وهب بن منبه ، وورد فى تفسير تفسير القرآن لابن عبد السلام (ت 660 هـ) { ذِى
الْقَرْنَيْنِ } هو عبد الله بن الضحاك بن معد " ع " ، أو من أهل مصر
اسمه مرزبان يوناني من ولد يونان بن يافث بن نوح، أو رومي اسمه الاسكندروني أو هو
الإسكندر الذي بنى الإسكندرية.
وفى تفسير مدارك
التنزيل وحقائق التأويل للإمام النسفي (ت
710 هـ) هو الإسكندر وقيل : كان له قرنان أي ضفيرتان، أو لأنه ملك الروم وفارس أو
الترك والروم ، أو كان لتاجه قرنان أو على رأسه ما يشبه القرنين ، وذكر الخازن
( ت 725هـ ) صاحب تفسير لباب التأويل في معاني التنزيل ، قيل اسمه
مرزبان بن مرزبة اليوناني من ولد يونان بن يافث بن نوح ، وقيل اسمه الاسكندر بن فيلفوس كذا صح الرومي .
والأصح الذي عليه الأكثرون أنه كان ملكاً
صالحاً عادلاً، وأنه بلغ أقصى المغرب والمشرق والشمال والجنوب ، وهذا هو القدر
المعمور من الأرض ، وذلك أنه لما مات أبوه جمع ملك الروم بعد أن دان له طوائف ثم مضى
إلى ملوك العرب وقهرهم ، ومضى حتى انتهى إلى البحر الأخضر، ثم رجع إلى مصر وبنى
الإسكندرية ، وسماها باسمه .
وفى تفسير البحر
المحيط لأبو حيان (ت 754 هـ) قال
: وذو القرنين هو الإسكندر اليوناني ، وقيل
غير ذلك في تسميته ذا القرنين والمشهور أنه الإسكندر. قال بعض المفسرين: والدليل
على أنه الإسكندر أن القرآن دل على أن الرجل المسمى بذي القرنين بلغ ملكه إلى أقصى
المغرب وإلى أقصى المشرق وإلى أقصى الشمال، وثبت في علم التواريخ أن الذي هذا شأنه
ما كان إلاّ الإسكندر فوجب القطع أن المراد بذي القرنين هو الإسكندر بن فيلفوس
اليوناني.
وقيل تمكينه في الأرض بكثرة
أعوانه وجنوده والهيبة والوقار وقذف الرعب في أعدائه وتسهيل السيرعليه وتعريفه
فجاج الأرض واستيلائه على برها وبحرها ، وفى تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان للقمي النيسابوري
(ت 728 هـ) قال : وأصح الأقوال أن ذا القرنين هو
الإسكندر بن فيلقوس الرومي الذي ملك الدنيا بأسرها، إذ لو كان غيره لانتشر خبره
ولم يُخف مكانه عادة.
وجاء فى تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن للإمام الثعالبي
(ت 875 هـ) " ذو القرنين " ، هو الملك الإسكندر اليوناني ، وورد فى تفسير
اللباب في علوم الكتاب لابن عادل (ت 880 هـ) هو الإسكندر بن فيلبوس اليونانيُّ ، والأكثرون على أنه كان ملكاً عادلاً صالحاً . وفى تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسورللبقاعي (ت 885 هـ) الرجل الصالح المجاهد ذي القرنين سمي لشجاعته أو لبلوغه قرني
مغرب الشمس ومشرقها ، وهو
الإسكندر الأول .
وفى تفسير الدر المنثور في التفسير بالمأثورللسيوطي (ت 911 هـ) عن وهب بن منبه ، أن ذا القرنين أول من لبس العمامة ، وذاك أنه كان في رأسه
قرنان كالظلفين متحركان فلبس العمامة من أجل ذلك ، وأنه دخل الحمام ودخل كاتبه معه
فوضع ذو القرنين العمامة فقال لكاتبه : هذا أمر لم يطلع عليه خلق غيرك ، فإن سمعت
به من أحد قتلتك .
فخرج الكاتب من الحمام فأخذه كهيئة الموت ، فأتى الصحراء فوضع
فمه بالأرض ثم نادى : ألا إن للملك قرنين ، فأنبت الله من كلمته قصبتين ، فمر بهما
راع فأعجب بهما فقطعهما واتخذهما مزماراً، فكان إذا زمر خرج من القصبتين : ألا إن
للملك قرنين. فانتشر ذلك في المدينة ، فأرسل ذو القرنين إلى الكاتب فقال : لتصدقني
أو لأقْتُلَنّكَ ، فقص عليه الكاتب القصة، فقال ذو القرنين: هذا أمر أراد الله أن
يبديه. فوضع العمامة عن رأسه.
وأخرج ابن
عبد الحكم في فتوح مصر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في الدلائل ، " عن
عقبة بن عامر الجهني قال : " كنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرجت
ذات يوم فإذا أنا برجال من أهل الكتاب بالباب معهم مصاحف فقالوا: من يستأذن لنا
على النبي صلى الله عليه وسلم؟ فدخلت على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال:
ما لي ولهم ، سألوني عما لا أدري؟ إنما أنا عبد لا أعلم إلا ما أعلمني ربي عز وجل ،
ثم قال : ابغني وضوءاً فأتيته بوضوء فتوضأ ثم صلى ركعتين ثم انصرف .
فقال - وأنا أرى
السرور والبشر في وجهه - أدخل القوم عليَّ ومن كان من أصحابي فأدخله أيضاً عليّ ،
فأذنت لهم فدخلوا فقال: إن شئتم أخبرتكم بما جئتم تسألوني عنه من قبل أن تكلموا ،
وإن شئتم فتكلموا قبل أن أقول ، قالوا : بل فأخبرنا ، قال : جئتم تسألوني عن ذي القرنين ، إن أول أمره
أنه كان غلاماً من الروم ، أعطي ملكاً فسار حتى أتى ساحل أرض مصر فابتنى مدينة
يقال لها " اسكندرية " عن عبيد بن يعلى قال: إنما سمي ذا القرنين لأنه
كان له قرنان صغيران تواريهما العمامة .
وأخرج أحمد في الزهد وابن المنذر وابن أبي
حاتم وأبو الشيخ في العظمة ، عن وهب بن منبه أنه سئل عن ذي القرنين فقال: لم يوح
إليه وكان ملكاً ، قيل : فلما سمي ذا القرنين؟ فقال : اختلف فيه أهل الكتاب ، فقال
بعضهم : ملك الروم وفارس ، وقال بعضهم : إنه كان في رأسه شبه القرنين. وأخرج ابن
أبي حاتم عن بكر بن مضر، أن هشام بن عبد الملك سأله عن ذي القرنين: أكان نبياً ؟
فقال : لا، ولكنه إنما أعطي ما أعطي بأربع خصال كان فيه : كان إذا قدر عفا ، وإذا وعد
وفى ، وإذا حدث صدق ، ولا يجمع اليوم لغد.
وأخرج ابن
عبد الحكم عن يونس بن عبيد قال : إنما سمي ذا القرنين لأنه كان له غديرتان من رأسه
من شعر يطأ فيهما ، وأخرج ابن المنذر وأبو
الشيخ عن أبي العالية قال : إنما سمي ذا القرنين لأنه قرن ما بين مطلع الشمس
ومغربها ، وأخرج ابن عبد الحكم في
فتوح مصر، عن ابن شهاب قال : إنما سمي ذا القرنين لأنه بلغ قرن الشمس من مغربها
وقرن الشمس من مطلعها.
وأخرج عن
قتادة قال: الإسكندر هو ذو القرنين ، وفى تفسير
إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبو السعود (ت 951 هـ) ورود الجوابِ وهو ذو القرنين الأكبرُ واسمه الإسكندرُ بنُ فيلفوس اليوناني ،
قال الإمام الرازي : لأن من بلغ ملكَه من
السعة والقوة إلى الغاية التي نطق بها التنزيلُ الجليلُ إنما هو الإسكندر
اليونانيُّ كما تشهد به كتبُ التواريخ.
وفى تفسير مقاتل بن سليمان (ت 150 هـ){ وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي ٱلْقَرْنَيْنِ }،
يعني الإسكندر قيصر، ويسمى: الملك القابض، على قاف، وهو جبل محيط بالعالم ، وفى تفسير
الكشف والبيان للثعلبي (ت 427 هـ) قال وكيع عن العلاء بن عبد الكريم قال : سمعت مجاهداً يقول : ملك الأرض أربعة سليمان
، وذو القرنين ، والنمرود ، وبخت نصّر. وقد ورد فى كتاب فتوح مصر لابن عبد الحكم أن
ّ الذى بنى الإسكندرية وأسس بناءها ذو القرنين الرومى واسمه الاسكندر ، وبه سميت
الإسكندرية .
الدليل الأثري :
وقد
عُثرعلى بعض قطع العملة عليها صورة الإسكندر الأكبر ، وظهر فيها وله قرنان مما
يُعطينا دليلًا آخر من الأدلة المادية وهو دليل أثرى على أن ذو القرنين ربما هو
الإسكندر الأكبر، فاذا طابقنا هذا الدليل
الأثرى مع أراء وأقوال كبارمفسرى القرآن الكريم ، فتكون لدينا الأدلة والقرائن مجتمعة من الكتاب المقدس
وتفاسير القران الكريم ، مع الدليل الأثرى
وهو قطع العملة المصورة بصورة الإسكندر الأكبر ويظهر فيها وله قرنان مما يُرجح معه
الرأي القائل أنّ الإسكندر الأكبر هو
ذو القرنين .