recent
موضوعات

التصوير القبطى نشأته وتطوره و الفنون المؤثرة فى نشأته


التصوير القبطى :

حرص الإنسان فى عصور ماقبل التاريخ على أن يزخرف جدران كهفه بالزخارف المختلفة والألوان المتباينة ، واستمر ذلك عبر العصور ، و إن اختلفت وسائل الزخرفة ، فقد رأى أن يُغطى الحجرغير المُهندم أو اللبن الذى بنى به أكواخه بطبقة من الملاط تستر شكله القبيح ، ثم زينه بصور مائية ، تدل على أنه قد عرف كيف يُحضّر الألوان ، و يستخدمها فى الرسم ، و يُقال إنّ المصريين القدماء قد أتقنوا فن التلوين إتقاناً تشهد به آثارهم التى لا تزال قائمة . 
و ظل الاهتمام بالتصوير فى العصرين اليونانى والرومانى ، حيث عُثر على الكثير من الصور واللوحات التى تمثل كثيراً من القصص و الأساطير، كما ظهر ذلك فى حفائر الكاهن " بت أوزيريس " فى تونة الجبل بملوى . 
كما أنَّ فن التصوير الذى وجد فى الكنائس والأديرة المصرية ، هو فن الكنيسة المصرية ، والذى يمكن القول بأنه نشأ فى القرن الرابع الميلادى غداة الاعتراف بالدين المسيحى ، إذ سرعان ما قام الأقباط بطمس الرسوم الوثنية  ، والمناظر التصويرية ، وتحطيم التماثيل فى المعابد المصرية  . 
وسجلوا بعض الصور الجدارية بعد أن غطّوا جدران الكهوف البعيدة ، والسراديب الطويلة "  كتاكومب  " سراديب الموتى بطبقة من الملاط ، و رسموا عليها بالحبر صورًا تُمثّل حياة السيد المسيح  والقديسين ، والكثير من الرموز المسيحية ، كما نقشوا عليها الصلبان ، وحولّوا المعابد والمقابر الفرعونية لأداء الصلوات المسيحية ، وذلك لإعلان نهاية الوثنية ، وسيطرة المسيحية ، حيث كانت الديانة المسيحية تسمح وتُشَّجع اتخاذ الصور فى عمائرها الدينية ، ثم صارت الكنائس المسيحية هى المستودع الأساسى لفن التصوير فى العصور المختلفة . 
و تشير السيدة بتشر فى كتابها تاريخ الأمة القبطية إلى كتاب وضعه عالم قبطى فى القرن الرابع الميلادى ، اسمه ديسكوريدس عن النبات بناءعلى طلب إحدى الأميرات الروميات ، مزين بالرسوم الجميلة ، ومحلى بالصور والنقوش ، موجود فى مكتبة فيينا بالنمسا ، كما يوجد فى المكتبة نفسها نسخة من سفر التكوين ، كُتبت فى مصر فى القرن الرابع الميلادى ، تحتوى على أكثر من ثمان وثمانين صورة تختص بمواضيع تاريخية حسنة الوضع جميلة الصنع . 
و قد ورث الفن القبطى الكثير من الفنون ، منهم الفن المصرى القديم فى مراحله المتأخرة ، و تأثر بالفنون اليونانية والرومانية ، كذلك الحضارة المسيحية التى انتشرت معها الديانة المسيحية فى جميع أنحاء القطر المصرى ، إضافة إلى تأثيرات الفن البيزنطى الذى ظهرفى الفترة من سنة (330 م ) حيث تأسيس القسطنطينية على يد الإمبراطور قسطنطين ، وحتى سنة (1453 م ) وهو تاريخ سقوطها على يد الأتراك العثمانيين .  
وهو فن شرقى تأثر بالفن الهلينستى ، وخضع في نشأته إلى البيئة المصرية وما نشأ فيها من تقاليد تميزت بها ، واستمد استمراريته وأصالته من هذه البيئة بكل موروثها الحضارى والفنى والتي كان لها أكبر الأثر في أصالة هذا الفن واستقلاليته ، وقد غلب على هذا الفن طابعه الشعبى والدينى  بسبب ظروف نشأته .

و يمثل التصوير جانباً مهماً من جوانبه ، حيث لم يستطع المسيحيون فى القرون الأولى وفى هذه الفترة المبكرة الإعلان عن اعتناقهم المسيحية بشكل واضح ، لكنهم كانوا يعقدون اجتماعاتهم فى أماكن غير معلومة ، لها خصوصية ، و فى سرية تامة .  
وقد عبّر عنه الفنان القبطى بعفوية وبساطة ، عبَّرت عن تقاليده ومعيشته وبيئته وحضارته ، وتميز فى بداياته بالتجريد والرمزية ، واستمر ظهور التأثيرات الإغريقية على الفن القبطى، حيث استعان الأقباط بالأساطير اليونانية الرومانية فى التصوير فى القرن الرابع والخامس الميلاديين ، وتُعّد الفترة القبطية تاريخياً فى الفن قد انتشرت من القرن الرابع الميلادى حتى القرن الحادى عشر فى مصر . 
ولا يستطيع باحث أن يُغمض عينيه عن الدور الكبير الذى قامت به الأديرة وجماعات الرهبان ، لحفظ التراث الإنسانى وبقائه على مر الأجيال ، إذ عمد الرهبان إلى العناية بالصور المقدسة والحفاظ عليها ، وكان لهذا الدور الذى قام به الرهبان أثره الواضح فى إنقاذ ذخائر الفكر الإنسانى من الضياع ، نتيجة للتدمير الذى لحق بالإمبراطورية الرومانية ،على يد الشعوب الجرمانية . 
ويذكر القلقشندى في كتابه صبح الأعشى أنّ من عادات المسيحيين فى القرون الأولى ، إذا مات منهم أحد ممن يعتقدون فى صلاحه، صوروا صورته فى حيطان كنائسهم ودياراتهم يتبركون بها .

التصوير على اللوحات الخشبية ( الأيقونات ) : 

 ويرى بعض من الباحثين و منهم "  د. بولا ساويرس سعيد " في كتابه دير السيدة العذراء مريم – براموس بوادى النطرون بمصر "  أنّ الفنانين الأقباط قد اتجهوا إلى التصوير على اللوحات الخشبية نتيجة لتزايد الهجوم و السطوعلى الكنائس والأديرة ، التى كان يضعف فيها نظام الحكم أثناء الفتن ، والقلاقل بقصد السلب والنهب ، وما يترتب على ذلك من حرق وتدمير لها ، ومن هنا جاء التفكير فى اللوحات القابلة للنقل ، حتى يسهل رفعها وحملها وإخفاؤها ، ثم إرجاعها إلى مواضعها مرة أخرى عندما يستتب الأمن . 
ويذكر أ. د. عزت قادوس في كتابه الآثار القبطية والبيزنطية أنّ هذه اللوحات ظهرت بصفتها لوحات تصويرية ، لها أداء طقسى دينى ، ليس على مستوى الكهنة والشمامسة والرهبان ، بل وصل لعامة الشعب ، فالمصريون على اختلاف عقائدهم منذ العصر المصرى القديم يبحثون عن الوسيط الإلهى أوالبشرى ، يُصّلون أمامه سواء كان أيقونة أوضريحًا أوقبراً ، يقومون بتقبيله ولمسه وإيقاد الشموع له وحرق البخور أمامه ، وهذا التكريم والاحترام من الموروثات الشعبية القديمة .
وليس هناك ارتباط دينى بين تلك الممارسات ومقومات العقيدة ذاتها ، فالعقيدة مهما كانت محلية أوعالمية فى مصر لابد لها أن تخضع لهذا الموروث الشعبى، الذى يسيطر ويتوغل ويؤثر تأثيراً كبيراً يصبح جزءاً مهمًا من نسيج العقيدة ذاتها . 
وصارت اللوحة الخشبية " الأيقونة " عزيزة على القلوب تكّرم ويُعتنى بها، وتُحمل فى المواكب الرسمية، وأخذت مكانة عجائبية وأدت دوراً فى الشفاعة والحماية الإلهية، وللتدليل على دورها فى حياة الشعب أمر الأمبراطور هرقل فى عام (622 م) بتصوير صورة السيد المسيح على رايات الإمبراطورية قبل معركته مع الفرس . 
ولم يكن يخلو بيت من مقصورة " مكان  مخصص للصلاة " بها أيقونة لقديس أو أكثر، تُوضع فى ركن خاص بالبيت ، كمكان للصلاة والعبادة ، يُضيئون أمامها قنديلاً من الزيت أو بعض الشموع تكريماً لصاحب الأيقونة  . 
وقد فرضت الكنيسة على رجال الفن رقابة قاسية ، مخافة أن يصدر عنهم ما يخل بالعقيدة ، وينحرف بالناس عن جادة الدين ، وذلك بعدما تنبهت الكنيسة إلى أثر الفن المصور فى النفوس ، حيث كان مصورو الأيقونات يُطّهرون أنفسهم ، ويمرون بطقوس محددة ، لاعتقادهم أنّ التصوير الأيقونى هو عبادة وأنّ ما يصنعونه هوشىء مقدس ، من أجل ذلك رتبت الكنيسة القوانين المنظمة لوضع الأيقونات فى مبانيها .
ومنها أنّ كل ما يأتى من مصنع تجارى ليس به من النقاوة ما يؤهله ، لأن يوصف بالفن المقدس، ففن الأيقونة ليس مجرد تلاعب حر للخيال ، ولكنه يتطلب التعمق فى شخصيات الشهداء ، والقديسين ، والمسيح ، والعذراء ، فقد ظل الأيقونوغرافيون على مر العصور اُمناء على الطقس والتقليد بالرغم من أنّ كلاً منهم قد وضع لمسته الشخصية . 
لذلك اهتم باباوات مصر بتشجيعهم للأيقونات المقدسة ، حتى إنّ بعضهم اشتهر بإتقان الفن اقتداء بلوقا البشير المصور ، فيُذكر عن الأنبا مقار البطريرك التاسع والخمسين أنّه كان رساماً ماهراَ ، و من الذين اشتهروا بالرسم أيضاً أبو الفتح بن الأقمعى المعروف بابن الحوفى المصور سنة 1186م ، و منهم أبو اليسر بن مليج الذى ذكر عنه أبو المكارم أنّه رسم صورة الأعياد السيدية لكنيسة العذراء بحارة الروم .
والبابا غبريال الثالث " البطريرك 77 " (1268 – 1271م) ، والبابا يوأنس السابع عشر" البطريرك 105 " فى القرن السابع عشر، والقمص مرقوريوس جرجس فى النصف الثانى من القرن الثامن عشر، ومطارى فى أواخر القرن السابع عشر وأوائل القرن الثامن عشر ، وسوريال بن القس أبوالمنا، والقس منقريوس جرجس، والقس كيرلس وجرجس الرومى . 
ويرى القمص يوساب السريانى أنّ اختفاء الأيقونات من مصر فى الفترة من القرن السابع حتى الثامن عشر الميلادى ظاهرة غريبة باستثناء دير سانت كاترين، ويُرجْع ذلك إلى حركة تحطيم الأيقونات التى كان لمصر نصيب منها ، بالإضافة إلى أن ّبعض الأيقونات التى صارت عديمة الفائدة ومحطمة كانت تستخدم فى إشعال النار بغرض الإعداد للميرون المقدس .
وبالرغم من ذلك توجد اكتشافات لبعض الأيقونات من هذه الفترة ، والعصور الوسطى بين الحين والآخر، منها أيقونة السيدة العذراء الملكة والطفل من القرن الثالث عشر ، الموجودة بكنيسة السيدة بربارة بمصر القديمة ، التى قامت بترميمها الدكتورة سوزانا سكالوفا من جامعة ليدن  بهولندا . 
ويذكر بتلر أنّه شاهد أثناء زيارته لمصر عام (1882م) مجموعة من الأيقونات بكنيسة أبى سيفين بفم الخليج بمصر القديمة، مالبثت أن اختفت بعد زيارته ، وعندما شاهد أيقونة ترجع إلى القرن الثالث عشر قال إنّها ليست فقط من أقدم الأيقونات عهداً ، ولكنها تدل على أنّ العمل الفنى لم ينشأ طفرة واحدة بهذه الدرجة من الكمال على نحو مفاجىء ، وإنما نتيجة محاولات طويلة من التدريب والمهارة .
كما يشير إلى صورة كرسى مذبح أبى سيفين المؤرخة بسنة (1280م) والذى يؤكد بما لايدع مجالاً للشك على قيام مدرسة مصرية للمصورين الذين تفوقوا على الفنانين المعاصرين فى إيطاليا ، ويقارن بين أيقونات القرن الخامس عشر والثالث عشر، من حيث الملامح التى أصبحت أكثر تحديداً ، وطيات القماش التى أصبحت أكثر تقدماً ، وبالرغم من أنّه لا توجد النعومة المعهودة نفسها فى الخطوط الخارجية مع التدرج الرقيق نفسه فى الأضواء والظلال ، فإنّ التحكم الفنى فى الألوان مازال يثير الإعجاب . 
وبالرغم من قيام السلطان سليم الأول بنقل أمهر الصناع المصريين إلى إستانبول سنة (1517 م) ، وتجريد مصر من خيرة فنانيها ومهرة صناعها، وسلبها ذخائرها وكنوزها الفنية ، فإنّ بعض الأفراد من الموهوبين حاول التدرب على الأعمال الفنية .
وظهر هذا فى المميزات العامة للأيقونات إبتداءً من منتصف القرن السادس عشر ، حيث بدأ هذا الفن ضعيفاً لكنّ الفنانين تحسسوا طريقهم تدريجياً ، فبعضهم تأثر بالفن البيزنطى، والفن الروسى، والبعض الآخر تأثر بفن عصر النهضة ، واحتفظ البعض الآخر بالأصول المصرية القديمة .
وقد شهد فن التصوير تطوراً كبيراً فى الفترة مابين القرنين السابع عشر والثامن عشر، وازداد ارتباطا بالطقوس الدينية ، كما ظهرت مجموعة من الرسامين على قدر كبير من الثقافة الدينية والفنية  
ومنذ أواخر القرن الثامن عشر بدأت تظهر محاولات داخل الكنيسة لإعادة التراث القبطى الفنى ، والعودة إلى الأسس الفنية المصرية القديمة فى رسم الصور الدينية المسيحية، نتيجة لغزوالفن المسيحى الأجنبى، سواء اللاتينى أم البيزنطى على مصر منذ ذلك الوقت . 
والجدير بالذكر أنّ هناك أيقونات محفوظة بالمتحف القبطى ترجع إلى القرن الرابع وحتى السابع الميلادى، ولم يتم العثورعلى أيقونات بعد هذا التاريخ حتى القرن الثامن عشر إلا القليل النادر لأسباب مختلفة، منها حرب الأيقونات ، وما دمر بسبب الاضطرابات فى مصر فى القرون الوسطى ، أما الأيقونات الموجودة بالكنائس والأديرة الأثرية فهى ترجع إلى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر .

المصادر :

- القلقشندى : صبح الأعشى فى صناعة الإنشا ،  ج13، المطبعة الأميرية ، القاهرة ، 1918

المراجع :


- الباشا (حسن): فنون التصوير الإسلامى فى مصر ، دار النهضة العربية، 1973

- السريانى (القمص يوساب): الفن القبطى ودوره الرائد بين فنون العالم المسيحى ، 1995 

- المصرى (إيريس حبيب): فن الأيقونة أوثيئولوجية الجمال ، مكتبة المحبة ، 1983


- الألفى (أبوصالح): موجز فى تاريخ الفن العام ، القاهرة ، 1965  
- بدر (منى محمد): أثر الفن القبطى على الفن الإسلامى فى التحف المنقولة ، 1980

- بهنسى (عفيف): جمالية الفن العربى ، سلسلة رقم 14، الكويت ، سنة 1979

- جمال الدين (عبد العزيز): تاريخ مصر من خلال مخطوطة تاريخ البطاركة ، ج 3  ، 2006

- جرجس (مجدى): أثر الأراخنة على أوضاع القبط فى القرن الثامن عشر   ، 2000

- سعيد (بولا ساويرس): دير السيدة العذراء مريم – براموس بوادى النطرون بمصر ، 1995

- عكاشة (ثروت) : الفن والحياة، الطبعة الأولى، دار الشرق، 1423هـ / 2002

- عوض الله (القس منقريوس): منارة القداس فى شرح طقوس ، الجزء الأول ، 1947 

- عبد الرسول ( ثريا محمود): العناصر الحيوانية على النسيج  حتى العصرالفاطمى ، 1998

- عبد الحميد  (رأفت ): الفكر المصرى فى العصر المسيحى، دار قباء للطباعة، القاهرة، 2000

- غيطاس (محمد): فن الأقباط فى الكنائس والأديرة، مجلة إبداع، العدد الثانى ، القاهرة، 1994

- قادوس (عزت حامد) : الآثار القبطية والبيزنطية، الطبعة الثانية  ، الإسكندرية ،2002

- مسيحة (حشمت) دكتور: مدخل إلى الآثار القبطية ، دار فيلوباترون ، القاهرة ، 1994

 

المراجع المعربة :


- بتلر (ألفريد): الكنائس القبطية القديمة فى مصر، الجزء الثانى ، 2012  

- بتشر (ا. ل): تاريخ الأمة القبطية، المجلد الثانى، مطبعة الفجالة، 1901  




author-img
نشأت للمعلومات التاريخية والأثرية

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent