تادرس المشرقى |
القديسون المحاربون :
إن صورة خلاص البشر من الأشرار قد جُسدت كنموذج للفارس المسيحى القوى ، الذى
يستطيع أن يتغلب على شروره هو ، أولاً وشهواته ، ورغباته ، والابتعاد عنها ، والانخراط
فى سلك الرهبنة والتدين ونقاء الروح ، كما أنّ هذا النموذج اتخذ أثناء الاضطهاد
كحافز للقديسين الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم من أجل نصرة المسيحية .
و لم تقتصر صور
الفارس على اشتراكه فى القضاء على فلول الشر فى المجتمع القبطى فحسب ، بل لأن
الطابع العام للمجتمع المصرى تحت الحكم الرومانى ، هو طابع عسكرى فى المقام الأول ،
و لأن تلك الملامح العسكرية الرومانية
و الجنود الرومان هم عناصر يمكن رؤيتها بصفة مستمرة فى المجتمع المصرى .
ويُعد
منظر الفارس الذى يمتطى صهوة جواده مصوباً رمحه ، مرتدياً الرداء القصير من أشهر
الموضوعات الزخرفية فى الفنون الرومانية ، حيث كان القديسون المحاربون فى الأصل
قادة فى الجيش الرومانى قبل اعتناقهم المسيحية ، ثم تخلّوا عن أمجادهم وتقبلوا
العذابات إلى حد الموت .
وتعترف الكنيسة القبطية بشفاعاتهم وتكرّمهم جميعاً، وتتحدث
بمعجزاتهم المعروفة والمدونة فى سيرة كل منهم ، غير أنّ أتباع المذاهب
البروتستانتية الغربية ، و منهم الرحالة الذين زاروا مصر ، و كتبوا فى التاريخ القبطى
و الآثار القبطية يرونهم أشخاصاً عاديين .
وتُعّد مناظر القديسين الفرسان من
المناظر الدينية المهمة التى يُحرص على وجودها على جدران الكنيسة ، و يبدو فيها
القديس الفارس على صهوة جواده ، يحمل بيده حربة يطعن بها أحد الأعداء تحت سنابك
الخيل ، و تمتد له يد بطوق صغير يرمز إلى استشهاده ، و يُعتقد أنّ تمثيل صورة الشهيد
الفارس يمتطى صهوة جواده و يطعن التنين بحربته مأخوذة من الفن المصرى القديم الذى
يمثل صورة حورس وهو يقتل التماسيح.
وتوجد لوحة من الحجر محفوظة بمتحف اللوفر بباريس ، ترجع إلى القرن الرابع الميلادى ، تمثل حورس فى زى الفارس الرومانى له رأس صقر فوق صهوة جواده يطعن ست ، فى صورة تمساح أو فرس النهر .
وكان هو المؤشر الأصلى لكل القديسين الفرسان إنهم يمتطون خيولاً جموحة ، و بطعنة واحدة من سيوفهم أو حرابهم يُسيطرون على الشر ، و الشر الذى يقتلونه يتخذ شكل تنين ، أو حية أو ملك متوج ، فهناك ترى رمزاً ابتكره أولاً الفكر المصرى القديم ، هو الصراع المستديم بين الخير و الشر ينتهى إلى العصر المسيحى .
وقد تناول الفنانون موضوع القديسين الفرسان منذ القرون الأولى ، حيث يوجد صورة جدارية بالكنيسة (56) بالجدار الغربى بدير القديس أبوللو بباويط ، تمثل ثلاثة من القديسين الفرسان ، وهم يمتطون صهوة جيادهم ، كذلك يوجد صورة بالفرسكو بالكنيسة الشمالية بالدير نفسه بالعمود الجنوبى ، لفارس يمتطى صهوة جواده وهو يطعن التنين.
وفى العصر الإسلامى أصبح موضوع الفارس الذى يمتطى صهوة جواده ، هو المنظر الرئيس على معظم التحف التطبيقية ، وقد يظهر وهو يطعن سبعاً بحربة فى يده ، أو رافعاً سيفه مصوباً نحو السبع الموجود فى المنطقة السفلية ، ووسوف نتعرض لبعض الشهداء الفرسان الذين تم تصويرهم على الأيقونات .
الشهيد تادرس المشرقى :
ولد هذا القديس بمدينة صور سنة
(275 م ) ، و لما بلغ سن الشباب انتظم فى الجندية ، و ارتقى إلى رتبة قائد ، و كان أبوه
صداريخوس وزيراً فى عهد نورماريوس ، و أمه أخت واسيليدس الوزير ، فلما مات الملك
نورمايوس فى حرب الفرس وكان ولده يسطس فى الجيش المحارب جهة الغرب .
فقد ظل
الوزيران صداريخوس وواسيليدس يدبران شئون المملكة إلى أن ملك دقلديانوس سنة (303
م) وأثار الاضطهاد على المسيحيين وكان
القديس تادرس فى هذه الأثناء يتولى قيادة الجيش المحارب ضد الفرس ، عندما عقدت هدنة
بين جيش الروم و الفرس ، وآمن القديس بالدين المسيحى .
رأى دقلديانوس أن يستقدم
الأمير تادرس فحضر بجيشه ، وعندما علم أنّ الملك سوف يدعوه لعبادة الأوثان ، قال
لجنوده من أراد منكم الجهاد على اسم المسيح فليقم معى ، فصاحو جميعاً نحن معك وألهك
هو إلهنا .
ولما وصل المدينة ترك جنوده خارج ، و دخل على الملك و رفض السجود للأوثان ، فأمر دقليانوس الجنود أن يسمروه بالمسامير على شجرة ، و أن يُشدّدوا فى عذابه حتى أسلم الروح ، ونال إكليل الشهادة و ذلك فى 12 من طوبة سنة (306م) .
ولما وصل المدينة ترك جنوده خارج ، و دخل على الملك و رفض السجود للأوثان ، فأمر دقليانوس الجنود أن يسمروه بالمسامير على شجرة ، و أن يُشدّدوا فى عذابه حتى أسلم الروح ، ونال إكليل الشهادة و ذلك فى 12 من طوبة سنة (306م) .
وصور الفنان القديس الشهيد وهو مربوط بشجرة ، ويقف بجوار الشجرة حول القديس الشهيد اثنان من قواد الملك ،
يمسك كل منهما بمطرقة يدق بها المسامير فى جسد الشهيد، وبالرغم من عدم تفضيل
الفنان القبطى إظهار مشاهد العذاب فى صوره فأنه قد رسم الشهيد تادرس ، وهو فى حالة
تعذيب من قبل جنود الملك ، ولم يكتفِ
بالصورة ولكنّه سجل ذلك أيضاً باستخدام الكتابات باللغة العربية .
وتتشابه مع أيقونة
القديس ميتياس التى تنسب إلى الفنان يوحنا الأرمنى، المحفوظة فى المتحف القبطى بالقاهرة ، كذلك تتشابه مع أيقونة الشهيد باسيليدس
المحفوظة بالمتحف القبطى ، وهى من عمل " يوحنا الأرمنى ، و ترجع إلى سنة (1760
-1761م ) ، من حيث ملامح الشهيد ، وملابسه الحربية ، والحربة وغطاء الرأس ، وتطابق
رسم الحصان من حيث الضخامة ، والخلل فى النسب التشريحية ، وزخارف السرج و الذيل ،
كذلك الشكل الزجزاجى المتموج لإطار الأيقونة الخارجى .
مارجرجس يقتل التنين |
الشهيد مار جرجس :
وهو من القديسين المشهورين ، ولد بالقبادوقية من أب اسمه أنسطاسيوس و أم تدعى ثاؤبستا ، عندما وصل إلى سن العشرين مات والده فذهب إلى دقلديانوس ليشغل وظيفة والده ، فعرف أنّ الملك قد كفروأمر بعبادة الأصنام فحزن ، وفرق كل ماله ، وواجه الملك بإيمانه المسيحى فعذبه كثيرا وحار فى تعذيبه ورأى أن يضع حدا لذلك .
فقرر قطع رأس القديس جاورجيوس ، فنال إكليل الشهادة فى 23 من برمودة سنة (307 م) ، و أخذ أحد المسيحيين جسده ، ولفه فى أكفان فاخرة و مضى به إلى بلده و بنوا على اسمه كنيسة عظيمة.
ويُرسم القديس راكباً جواده الأبيض مرتدياً الثياب العسكرية ، بيده حربة يطعن بها تنيناً وخلفه فتاة كإحدى الأميرات قد نالت الخلاص من ذلك التنين ، وهذا الرسم الرمزى للتنين يمثل الشيطان ، أمّا الفتاة فهى تشير إلى الديانة المسيحية أو الكنيسة ، وقال القديس قبل قتله بالسيف لقد هزمت التنين وأنقذت الفتاة من خطره .
لذلك يرسمان معه فى الصورة ، وقد ورد فى سيرته أنّه كان ضابطاً فى الجيش الرومانى ، لم يشأ الإمبراطور قتله حرصاً على ضابط أمين مثله ، ظل يجدد العفو عنه و يعده بالترقى إذا أطاع الأمر ، وأنكر المسيح و لمّا لم يفلح فى ذلك قطع رأسه.
أمّا موضوع التنين فقد تم تفسيره تفسيراً آخر ، على أنّه لقب أطلقه المصريون على الإمبراطور دقلديانوس ، إشارة إلى الخصام الشديد الذى استحكمت حلقاته بين هذا الإمبراطور وبين الشهيد مار جرجس ، الذى قاومه مقاومة شديدة ، وانتصر عليه و أخضع سلطة وقوة ارادته تحت موطىء قدميه .
والمرأة التى تظهر مع الشهيد كانت إحدى محظيات الإمبراطور ، التى حُبست ليلة كاملة مع القديس الشهيد ، بقصد التأثير على القديس ، ولكنّ القديس استطاع أن يقنعها بالمسيحية فآمنت بالمسيح ، لذلك صدر أمر الإمبراطور بإعدامها .
ويرى البعض أنّ الفارس وهو يمتطى صهوة جواده الأشهب ممسكاً
حربته التى لا تخطىء الهدف، هذه الحربة هى قوة المسيحية الساحقة التى تقهر
الخطيئة ، الممثلة فى التنين المرعب الذى يتطاير الشرر من عينيه ، وما ذلك الوحش
الجبار إلا دقلديانوس الذى يهدد المسيحية ، و يتوعدها ، ويسومها سوء العذاب ، أمّا
الفتاة التى تستنجد به فهى النفس المسيحية الحائرة .
وتوجد صورة مرسومة بالفرسكو
على أحد الأعمدة بالكنيسة الشمالية بدير أبوللو بباويط للقديس جرجس ، وهو يرتدى
الملابس العسكرية و يتمنطق بسيفه ترجع إلى القرن الثامن الميلادى ، وقد أشار بعض
العلماء إلى وجود علاقة بين موضوع الشهيد مار جرجس يقتل التنين ،ومنظر حورس يقتل
ست بوصفه من التأثيرات المصرية القديمة على الفن القبطى.
مارمينا العجائبى |
الشهيد مارمينا :
ولد سنة (285 م) فى مدينة نقيوس
أبشادى " زاوية رزين حالياً بالمنوفية "، من أسرة نبيلة متدينة يدعى
والده أودوكسيوسAudexios ) ) ووالدته تسمى أوفيميه ( Aufimia) ، لم يكن معها أطفال ، وفى عيد
العذراء 21 من طوبة تضرعت أمام أيقونة العذراء أن يرزقها الله بالولد .
فحملت و أنجبت طفلاً سمَّته مينا . حيث نشأ مهذبا ومتعلما الرسائل والكتاب المقدس ، وبعد موت والديه ورث ثروة عظيمة ، ثم التحق بالجندية فى الجيش الرومانى ، وهو فى سن الخامسة عشرة قسرا ، وبعد ثلاث سنوات ترك الجيش و كرَّس حياته للمسيح .
فحملت و أنجبت طفلاً سمَّته مينا . حيث نشأ مهذبا ومتعلما الرسائل والكتاب المقدس ، وبعد موت والديه ورث ثروة عظيمة ، ثم التحق بالجندية فى الجيش الرومانى ، وهو فى سن الخامسة عشرة قسرا ، وبعد ثلاث سنوات ترك الجيش و كرَّس حياته للمسيح .
واتجه مينا
إلى الصحراء ليعيش منفردا و منعزلا عن العالم ، وبعد أن قضى خمسة أعوام كناسك متعبد ،
رأى الملاك يتوجه بإكليل الشهداء ، فأسرع إلى الحاكم ، وأظهر حقيقة اعتقاده و إيمانه
بالمسيحية ، فوضعه فى السجن حتى يسجد للأصنام ، و لما رفض أخذوا فى تعذيبه و جلده حتى
قاسى أشد العذاب .
ثم ضربوا عنقه بالسيف ، فنال إكليل الشهادة فى 15 من هاتور سنة
(309 م ) من حكم الملك دقليديانوس و مكسيميانوس ، وبادر المؤمنون بنقل جثمانه إلى
مكان عزلته فى الصحراء حيث واروه التراب ، وظل قبره مجهولاً فترة من الزمن حتى ذاعت
عجائب هذا القديس ، وانتشرت حتى بلغت القسطنطينية حيث قام الإمبراطور زينون الذى
شفيت ابنته ببركة هذا القديس ببناء كاتدرائية فوق قبره .
بقطر شو |
الشهيد بقطر شو:
ولد بإحدى البلاد من
أعمال أسيوط ، شرقى البحر ، و عين جندياً ببلدة شو ، فى هذه الأثناء صدر مرسوم
دقلديانوس بالسجود للأصنام ، والتبخير لها ، فامتنع القديس بقطر عن السجود للأصنام
، استدعاه والى شو وحاول إغراءه فلم يفلح ، وأخيراً ألقاه فى السجن ، وأمره بالسجود
للأصنام ، فلم يوافق .
فغضب منه ، وأرسله إلى أمير أسيوط الذى عرض عليه ولاية إحدى
المدن ، رفض القديس وأصر على عدم السجود للأصنام، فأمر الوالى بقتله ، و أن يلقى فى
مستوقد حمام فى قرية موشا شرقى قرية إبيسيديا ، و نال إكليل الشهادة فى 5 من كيهك من
حكم دقليانوس، ثم بنوا على اسمه كنيسة عظيمة فى قرية موشا بأسيوط .
بقطر بن رومانوس |
الشهيد مار بقطر بن رومانوس :
وزير الملك دقلديانوس ، الذى ربته
أمه مرثا على المبادى المسيحية ، و ارتقى فى رتب المملكة حتى أصبح الثالث فى
مرتبتها ، و كان عمره فى ذلك الوقت عشرين سنة ، عُرف بكثرة الصيام و الصلاة و مساعدة
الضعفاء و المساكين ، و كان دائما يعاتب والده لعبادته الأصنام ، و لمّا علم الملك
بذلك أرسل فى طلبه .
وأمره أن يسجد للأصنام حتى يطيع الأمر الملكى ، و لكن القديس
غضب ، وقام بإلقاء مِنطقَة الجندية ، فنصح أبوه الملك بإرساله إلى مدينة الإسكندرية
لتعذيبه ، وعندما وصل إلى هناك عذّبه والى المدينة و يسمى أرمانيوس عذاباً شديداً ،
ثم أرسله إلى والى أنصنا ، حيث زاد فى تعذيبه ، و قام بقطع لسانه ، وفقع عينيه ، ثم قطع
رأسه و نال إكليل الشهادة فى 27 من برمودة .
أبو السيفين " مرقوريوس " يقتل الملك الرومانى يوليانوس |
الشهيد مورقوريوس :
من المعروف أنّ هذا القديس قد ولد بمدينة رومية من أبوين مسيحيين ، أسمياه فيلوباتير، وأدباه بالآداب المسيحية ، ثم انتظم فى سلك الجندية فى سن الشباب أيام الملك داكيوس الوثنى، و أعطاه الرب قوة وشجاعة أكسبته رضاء رؤسائه فدعوه باسم مرقوريوس ، و كان من المقربين لدى الملك .
حيث قاتل معه البربر ، ولما انتصر داكيوس أراد أن يشعل البخور لأوثانه ، فرفض القديس مرقوريوس، وغضب منه الملك فأمر بضربه بالسياط و الجريد ، ثم أرسله مكبلا بالحديد إلى قيصرية ، وهناك قطعوا رأسه و ذلك يوم 25 من هاتور .
ونظرا لكثرة المعارك التى خاضها سُمى أبا سيفين ، أى سيف الجندية و سيف القوة الإلهية الذى أعطاه له الملاك الذى ظهر له ، وأخبر عنه القديس باسيليوس فى رؤيته ، وهو يركب حصانا ويمسك رمحا يقتل يوليانوس الملك الرومانى .
وذلك قبل موت الملك بثلاثة أيام وهو فى السجن ، و ذلك عندما استيقظ من النوم ، وقال لمن معه لقد رأيت الليلة الشهيد أبا مرقورة يقصد مورقوريوس ، وقد دخل بيعته وأخذ رمحه وقال حقاً ما أترك هذا الكافر يجدف على إلهى ، و بعد ذلك بأيام وصلت الكتب و الأخبار إلى أنطاكيه بموت يوليانوس .