recent
موضوعات

العائلة المقدسة فى المصادر الإسلامية

حقيقة هروب العائلة المقدسة إلى مصر  

حقيقة هروب العائلة المقدسة إلى مصر :

فى ظل تدشين البابا بندكت الثانى بابا الفاتيكان لأيقونة هروب العائلة المقدسة  إلى  مصر ، واعتماد أماكن إقامة العائلة المقدسة بمصر كمقاصد للحجاج المسيحيين فى جميع أنحاء العالم ، كثر اللغط والجدل  بشأن هروب العائلة المقدسة إلى مصر ، وتعرض موضوع هروب العائلة المقدسة لكثير من الإختلاف فى الرأى بين الباحثين ، حيث يُنكر البعض مجىء العائلة المقدسة إلى مصر هربا من هيرودوس .
وذلك بعد علمه أن ملكه سوف يزول على يد هذا الطفل الذى سوف يولد في بيت لحم اليهودية طبقاَ لنبوءة العهد القديم ، وبعد أن تأكد هيرودوس من هذه النبوءة ، وعلم بموعد الميلاد من حكماء المجوس ، الذين وفدوا من الشرق إلى حيث مكان ميلاد المسيح ، لتقديم الهدايا إلى الطفل المولود كما جاء في إنجيل القديس متى ، الذى يُعد أول الأناجيل وأقدمها من الوجهة التاريخية، لأنه كتب فى السنة الثامنة لصعود المسيح أى نحو (41 م ) ، وقد كتب باللغة الآرمية ، ثم بعد ذلك باليونانية.
فبعض الباحثين يرفض الاعتقاد بأنَّ العائلة المقدسة هربت إلى مصر مستندا على أنَّ الكتب والمصادر التاريخية لا تشير إلى هذا الحدث العظيم ، بالرغم مما ذكره القديس متى في إنجيله من قصة الهروب إلى مصر ، و يذكرون أنَّ هذه القصة لم ترد في باقى الأناجيل المعترف بها قانونا من قبل الكنيسة الأرثوذكسية مثل إنجيل القديس مرقس ، وإنجيل القديس لوقا ، وإنجيل القديس يوحنا ، لكنهم تغافلواعن جهل أوعدم دقة في البحث واتباع المنهج العلمى السليم في المعرفة .
ولو أنهم استخدموا اسلوب ومنهج المقارنة لعلموا أنَّ الأناجيل الأربعة يكمًّل بعضها بعض ، وكل إنجيل من الأناجيل قد تفرد بسرد بعض الموضوعات التي تتعلق بالمسيح عليه السلام التي لم ترد في باقى الأناجيل ، أو ذكر جزءًا من قصة حدثت وأكملها أحد الأناجيل الأخرى ، فليس معنى أن الأناجيل الثلاثة لم تذكر قصة الهروب إلى مصر يتم انكارها وعدم تصديقها .  

أولاَ ماورد في تفاسير القرآن الكريم :

لقد آثرت على نفسى أن أبحث في المصادر الإسلامية وكتب المؤرخين المسلمين لكى أتعرف على حقيقة هروب العائلة المقدسة إلى مصر ، هل ورد ذكرها في المصادر الإسلامية أم تجاهلت هذا الحدث التاريخى العظيم  ؟ .
 وقد توصلت إلى نتائج مهمة وقيمّة من خلال تفاسير القرآن ، التى أشارت إلى هروب العائلة المقدسة إلى مصر ، حيث ورد في تفسير " جامع البيان في تفسير القرآن للطبرى المتوفى ( سنة 310 هـ) ، وذلك في تفسيرقوله تعالى في سورة المؤمنون " آية رقم 50 " ( وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ )  قال : حدثني يحيى بن عثمان بن صالح السهمي ، قال : حدثنا ابن بكير، قال : حدثنا الليث بن سعد ، قال: حدثني عبد الله بن لهيعة ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب قال : إلى ربوة من رُبا مصر ،  قال : وليس الرُّبَا إلا في مصر، والماء حين يُرسَل تكون الُّربا عليها القرى ، ولولا الربَا لغرقت تلك القرى. وجاء في تفسير القرآن العظيم لابن كثير المتوفى (سنة774 هـ) : قوله اختلف المفسرون في مكان هذه الربوة في أي أرض [ الله ] هي ؟ فقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : ليس الرُّبى إلا بمصر  ،  وروي عن وهب بن منبه نحو هذا .
كذلك في الجامع لأحكام القرآن للقرطبى  المتوفى (سنة671 هـ) : قال ابن زيد : مصر، وأيضاَ تفسيرمعالم التنزيل للبغوى المتوفى (سنة 516 هـ) : وآويناهما إلى ربوة ) الربوة المكان المرتفع من الأرض ، واختلفت الأقوال فيها ، فقال عبد الله بن سلام : هي دمشق ، وقال الضحاك : غوطة دمشق ، وقال أبو هريرة : هي الرملة ، وقال عطاء عن ابن عباس : هي بيت المقدس ،  وقال ابن زيد : هي مصر .
وفى تفسير الكشاف للزمخشرى المتوفى (سنة 538 هـ) : وَجَعَلْنَا ٱبْنَ مَرْيَمَ } آية { وَأُمَّهُ ءَايَةً } ثم حذفت الأولى لدلالة الثانية عليها. الربوة والرباوة في رائهما الحركات. وقرىء «ربوة ورباوة» بالضم. و «رباوة» بالكسر وهي الأرض المرتفعة. قيل هي إيليا أرض بيت المقدس، وقيل دمشق وغوطتها. وعن الحسن فلسطين والرملة ، و قيل مصر.
 كما جاء أيضاَ في مفاتيح الغيب التفسير الكبير للرازى المتوفى ( سنة 606 هـ) ، وتفسير الماوردى المتوفى ( سنة 450هـ) وفى أنوار التنزيل وأسرارالتأويل للبيضاوى المتوفى( سنة 635هـ) ،وتفسيرالمحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية المتوفى  ( سنة  546هـ)   { وآويناهما إلى ربوة ذات قرار }  قال الكلبي وابن زيد هي بمصر ، وقال مقاتل والضحاك هي غوطة دمشق .
وجاء في تفسيرزاد المسير في علم التفسيرلابن الجوزي المتوفى (سنة 597 هـ) ، و تفسير الكشف والبيان  للثعلبي المتوفى (سنة 427 هـ)  قوله تعالى : {  وآويناهما }أي : جعلناهما يأويان { إِلى ربوة } ، واختلف المفسرون في موضع هذه الربوة الموصوفة على أربعة أقوال أحدها : أنها دمشق رواه عكرمة عن ابن عباس ، وبه قال عبد الله بن سلام ، وسعيد بن المسيب .
والثاني : أنها بيت المقدس رواه عطاء عن ابن عباس ، وبه قال قتادة . والثالث : أنها الرملة من أرض فلسطين قاله أبو هريرة ، والرابع : مصر قاله وهب بن منبه ، وابن زيد ، وابن السائب . فأما السبب الذي لأجله أَوَيَا إِلى الربوة ، فقال أبو صالح عن ابن عباس : فرَّت مريم بابنها عيسى من ملكهم ، ثم رجعت إِلى أهلها بعد اثنتي عشرة سنة ، قال وهب بن منبه : وكان الملك أراد قتل عيسى .
وذكر ابن عبد السلام المتوفى (سنة 660 هـ ) نفس التفسير في كتابه تفسير القرآن ، وأيضاَ تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي المتوفى (سنة 710 هـ) ، وجاء في تفسير لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن المتوفى (سنة 725 ) قيل هي مصر،  وسبب الإيواء أنها فرت بابنها إليها.
وذكر ابو حيان المتوفى (سنة 754 هـ ) في تفسيره البحر المحيط  ، والربوة هنا قال ابن عباس وابن المسيب : الغوطة بدمشق ، وقال أبو هريرة : رملة فلسطين. وقال قتادة وكعب: بيت المقدس  ،  وقال ابن زيد ووهب : الربوة بأرض مصر، وسبب هذا الإيواء أن ملك ذلك الزمان عزم على قتل عيسى ففرت به أمه إلى أحد هذه الأماكن التي ذكرها المفسرون . 
 أمّا تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسورللبقاعي المتوفى (سنة 885 هـ) فقال: { وآويناهما } أي بعظمتنا لما قصد ملوك البلاد الشامية إهلاكهما { إلى ربوة } أي مكان عال من الأرض ، وأحسن ما يكون النبات في الأماكن المرتفعة، والظاهر أن المراد بها عين شمس في بلاد مصر؛ قال ابن كثير: قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: ليس الربى إلا بمصر والماء حين يرسل تكون الربى عليها القرى ، ولولا الربى غرقت القرى ، وروي عن وهب بن منبه نحو هذا .
كما جاء في تفسير الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي المتوفى (سنة 911) وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن عساكر عن وهب بن منبه رضي الله عنه { وآويناهما إلى ربوة } قال : هي مصر. و أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد { وآويناهما إلى ربوة } قال : وليس الربى إلا بمصر . و الماء حين يرسل يكون الربى عليها القرى لولا الربى لغرقت تلك القرى . وأخرج ابن عساكر عن زيد بن اسلم رضي الله عنه { وآويناهما إلى ربوة } قال : هي الإسكندرية.

هروب العائلة المقدسة إلى مصر في كتب المؤرخين : 

ذكر الطبرى في تاريخ الرسل والملوك أنَّ مولد عيسى عليه السلام كان لمضي اثنتين وأربعين سنة من ملك أغوسطوس ، وأنَّ أغوسطوس عاش بعد ذلك بقية ملكه، وكان جميع ملكه ستا وخمسين سنة - قال بعضهم : و أياما . قال : ووثبت اليهود بالمسيح ، والملك على بيت المقدس من قبل قيصر هيردوس الكبير الذي دخلت عليه رسل ملك فارس الذين وجههم الملك إلى المسيح ، فصار إلى هيردوس غلطا، وأخبروه أن ملك فارس بعث بهم ليقربوا إلى المسيح ألطافا معهم من ذهب ومر ولبان ، وأنهم نظروا إلى نجمه قد طلع ، فعرفوا ذلك بالحساب وقربوا الألطاف إليه ببيت لحم من فلسطين .
فلما عرف هيردوس خبرهم كاد المسيح ، فطلبه ليقتله ، فأمر الله الملك أن يقول ليوسف الذي كان مع مريم في الكنيسة ما أراد هيردوس من قتله ، وأمره أن يهرب بالغلام وأمه إلى مصر، فلما مات هيردوس قال الملك ليوسف وهو بمصر : إن هيردوس قد مات ، وملك مكانه أركلاوس ابنه ، وذهب من كان يطلب نفس الغلام ، فانصرف به إلى ناصرة من فلسطين ليتم قول شعيا النبي : من مصر دعوتك .
ومات أركلاوس ، وملك مكانه هيردوس الصغير، الذي صلب شبه المسيح في ولايته ، وكانت الرياسة في ذلك الوقت لملوك اليونانية والروم ، وكان هيردوس وولده من قبلهم ، إلا أنهم كانوا يلقبون باسم الملك ، وكان الملوك الكبار يلقبون بقيصر ، وكان ملك بيت المقدس في وقت الصلب لهيردوس الصغير من قبل طيباريوس بن أغوسطوس دون القضاء ، وكان القضاء لرجل رومي يقال له : فيلاطوس من قبل قيصر .
ويشير ابن إياس الحنفى في كتابه بدائع الزهور في وقائع الدهور إلى أنّ السيدة مريم العذراء قد دخلت مدينة إهناس  بصعيد مصر . وقد قال أبو عمر محمد بن يوسف الكندى في كتاب فضائل مصر في ذكر من دخل مصر من الأنبياء عليهم السلام : دخل مصر من الأنبياء ثلاثون نبياَ عليهم السلام منهم إدريس وهو مصري ، وإبراهيم الخليل  ، وإسماعيل  ، ويعقوب ويوسف والأسباط  ، ولوط  ، وولد بها موسى وهارون ، ودخلها دانيال  ، وإرميا  ، وعيسى بن مريم ، وسليمان بن داوود ، وأيوب ، وشعيب  ، ولقمان الحكيم  ، والخضر ، وذو القرنين .
كما جاء في كتاب قوانين الدواويين لابن مماتى  " ويُروى أن السيد المسيح مر بسفح المقطم وعليه جبة صوف وأمه إلى جانبه  " ، و ذكر القلقشندى في صبح الأعشى بالجزء الثالث أثناء حديثه عن دهن البلسان  " و تسميه العامة البلسم ، و ينبت ببقعة مخصوصة من أرض المطرية من ضواحي القاهرة على قرب من عين شمس ، قال ابن الأثير في كتابه عجائب المخلوقات  وشأنه أن يُقصد في شهر كيهك من شهور القبط ، ويُجمع ما يسيل من دهنه ، و يُصَّفى و يُطبخ ويُحمل إلى خزانة السلطان ، ثم يُنقل منه إلى الشام ، والبيمارستان ليُستعمل في بعض الأدوية ، وملوك النصارى من الحبشة والروم والفرنج يستهدونه من صاحب مصر ، و يهادونه بسببه. 
قال العمرى في مسالك الأبصار : " و النصارى كافة تعتقد في فيه ما تعتقد ، وترى أنه لا يتم تنصر نصرانى حتى يُوضع شيء من هذا الدهن إلى ماء المعمودية ، لاعتقادهم أنّ هذا النبات يُسقى من بئر اغتسل بها المسيح حين قدمت به أمه إلى مصر " .
و ذكر ابن زولاق " الحسن بن إبرهيم بن الحسين الليثى (306 -387هـ ) في كتابه فضائل مصر وأخبارها وخواصها ، في ذكر المواضع التي ذُكر فيها اسم مصر في القرآن ، فأول ما أبتدىء من ذلك أنّ الله جل ثنائه وتقدست أسماؤه ذكر مصر في ثمانية وعشرين موضعاَ في القرأن ، من ذلك قوله عز وجل  ( وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ ) ( سورة المؤمنون : آية 50 )  قال ابن عباس ،وسعيد بن المُسَيّب، ووهب  بن منبه ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم هي مصر .
وذكرابن عساكر الدمشقى في كتابه سيرة السيد المسيح : عن ابن عباس أنّ عيسى كان يرى العجائب في صباه إلهاماً من الله تعالى ، ففشا ذلك في اليهود  ، وترعرع عيسى فهمَّت به بنو إسرائيل ، فخافت أمّه عليه فأوحى الله إليها أن تنطلق به إلى أرض مصر ، وأنّ عيسى عليه السلام لمّا بلغ ثلاثة عشر سنة أمره الله أن يرجع من مصر إلى إيلياء ، فقدم عليه يوسف ابن خال أمه فحملها على حمار حتى جاء بهما إلى إيلياء .
وورد فى كتاب النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة لأبو المحاسن ابن تغرى بردى أنَّ قبط مصر مجمعون على أنّ المسيح ابن مريم وأمه كانا بالبهنسا ، وانتقلوا إلى القدس ، وذكر بعض الباحثين أنّ عيسى عليه السلام دخل مصر، وتوجه إلى الصعيد ثم أقام بقرية هناك تسمى أهناس . كما ذكر المقريزى في خططه بالجزء الثالث أنّ السيدة العذراء سارت بالمسيح وعمره سنتان على حمار ومعها يوسف النجار، حتى قدموا أرض مصر فسكنوها مدة أربع سنين، ثم عادوا وعمر المسيح ست سنوات، فنزلت به مريم قرية الناصرة من جبل الجليل " يُعرف بجبل كنعان "  فاستوطنتها .
ويذكر أحمد بن يوسف القرمانى  في كتابه أخبار الدول وآثار الأول فى التاريخ  ، أنّ السيدة مريم العذراء قد أقامت بمصر اثنتى عشرة سنة ، تغزل الكتان ، وتلتقط السنبل فى أثر الحصادين ، ويوسف يحتطب ويبيعه فى السوق ، كما ذكر ابن الأثيرفى كتابه الكامل في التاريخ بالجزء الأول ، أنّ السيدة مريم ويوسف النجار ساروا إلى مصر ، وأقاموا بها اثنتى عشرة سنة إلى أن مات هيرودوس ، وعادوا إلى الشام .
ومن خلال البحث والدراسة تبين لنا وبالرغم  من تعدد واختلاف الرويات أنَّ المسيح عليه السلام ، والسيدة العذراء ومعهما يوسف النجار ، قد لجأوا إلى مصر خوفاً على الطفل الصغير .
google-playkhamsatmostaqltradent