recent
موضوعات

صلب المسيح فى الفنون المسيحية

الصلب " الصلابوت " : 

بعد أن قام كل الجمهور وتشاور رؤساء الكهنة ، والشيوخ  والكتبة والمجمع كله ، ألقوا القبض على يسوع ، وأسلموه حسداً إلى بيلاطس ، يشتكونه أنّه يفسد الأمة ، ويمنع أن تعطى جزية لقيصر ، ويدّعى أنّه مسيح  ملك ، فمضى به العسكر إلى داخل دار الولاية وجمعوا كل الكتيبة ، وبعد أن فرغ الجنود من جلده ، أخذوا فى الترويح عن أنفسهم بالسخرية منه . 

وإذ كانوا قد سمعوا ادّعاء الكهنة بأنه يزعم نفسه ملكاً لليهود ، خلعوا ثيابه الرَّثة الملطخة بدماء الجروح التى أحدثها الجلد ، وألبسوه رداء قرمزياً على غرار الملوك ، وضفروا له تاجاً من الشوك ، وضعوه فوق رأسه ، وفى يمينه قصبة ، وهم يهزءون به ، ويسخرون منه ، ويبصقون فى وجهه ، ثم أخذوا القصبة من يده ، وانهالوا على رأسه ضرباً فوق تاج الشوك، فنفذ الشوك فى رأسه وجبينه ، وسال الدم على وجنتيه ثم مضوا به ليصلبوه.

ومن المعروف أنّ يسوع بعد أن أخذوه إلى موضع الجمجمة " الجُلجُثة  " خارج أ سوار أورشليم ، قدموا له بدل كأس النبيذ الذى كان يُعطى لمن حُكم عليه صلباً حسب العرف اليهودى ، وذلك لتخفيف الألم نبيذاً سيئاً فرفض ، ووضعوا المسامير فى يديه وقدميه على الصليب ، وصلبوا عن يمينه وعن يساره لصين ، وذلك للتحقير من شأنه والسخرية منه ، وقد نزع الجنود ثيابه عنه قبل صلبه وقسّموها بينهم ، أمّا رداؤه الخارجى فاقترعوا عليه ثم جلسوا حوله يحرسونه خوفاً من أن يختطفه التلاميذ . 

وأمر بيلاطس بتثبيت لافتة فوق الصليب مكتوباً عليها يسوع الناصرى ملك اليهود سخرية منه ، كُتبت بالعبرية ، واليونانية ، واللاتينية  ، ولمّا كانت الساعة السادسة حدثت ظلمة على الأرض كلها حتى الساعة التاسعة ، وبعد أن أسلم الروح انشق حجاب الهيكل إلى اثنين ، وعندما رأى قائد المائة الواقف هذه المعجزات آمن بالمسيح بعد موته ، ثم طعنه أحد الجنود ، ويدعى لونجنيوس  بحربة فى جنبه فسال منه الدم والماء ، وكان حول الصليب مريم العذراء ومريم أم القديس يعقوب الصغير، و مريم المجدلية، ويوحنا الحبيب .

عدم تصوير المسيح معلقاً على الصليب في القرون الأولى : 

وقد حرص الفنان القبطى قديماً على عدم تصوير المسيح معلقاً على الصليب إلا نادراً جداً ، ولذلك نجد الصليب المصور عليه المسيح مصلوباً فى الصور الأقدم نادراً جداً ، وعندما عُثر بمنطقة كيليا على صورة جدارية ترجع إلى القرن السادس الميلادى تمثل المسيح معلقاً على الصليب ، ظهر بكامل ملابسه وهو يشير بإيماءة البركة ، ويمسك بيده اليسرى البشارة ، وكان الصليب عبارة عن خلفية له. لذلك فإن الكنيسة القبطية لا تعرف تصوير المسيح ، وهو معلق على الصليب مغمض العينين . 

فالتقليد القبطى يقول إنّ نيقوديموس عندما دخل ليكفن المسيح وجد العينين مفتوحتين ، وسمع صوتاً يقول قدوس الحى الذى لا يموت ، كذلك لا يرسمه الفن القبطى منحنياً بل يرسمه مصلوباً ، ولكن بعينين مفتوحتين واسعتين وناظرتين إلى أعلى ، إشارة فنية إلى قوة لاهوته الذى لم يفارق ناسوته ،ولا يوجد صور، أولوحات ،أوأعمال فنية تمثّل موضوع الصلب طبقاّ للمذهب الأرثوذكسى قبل القرن السادس الميلادى . 

وترجع ندرة تصوير الصليب قبل القرن السادس ، إلى أنّ ذكرى الصليب كانت ما تزال فى ذلك الوقت صورة غير لائقة فى ذهن الكثيرين ، كعقاب شديد للمجرمين ، وعلامة العار لهم ، ومن بداية القرون الوسطى حُفظت فى أوربا صلبان كبيرة من الخشب ، ومنذ القرن الحادى عشر قُدم جسد المسيح المعلق على الصليب منحنياً على هيئة قوس مشدود تعبيراً عن شدة الآلآم  . 

ومنذ القرن الثانى عشر الميلادى تظهر المسامير فى الصور أكثر فأكثر، حيث اكتفى بمسمار واحد فقط لتسمّر به الرجلان معاً على خشبة الصليب ، بينما فى الشرق كانت تظهر فى أسفل الصليب خشبة صغيرة، توضع عليها الرجلان ،وتسّمران عليهما بمسمارين ، وفى ذلك الوقت كان الصليب يقدم بطريقة مبسطة ، حيث يظهر الصليب وحده مع صورة لشخص واحد ، وقد كانت عادة لمريم المجدلية وهى تبكى تحت الصليب ، وتقبل الخشبة بخشوع وحزن.

ومنذ القرن الثالث عشر الميلادى وحتى السادس عشر رسم الفنانون فى الغرب المسيح كالمصلوب الذى مات ،والمسيح  المتألم  المتوجع ، وعلى رأسه إكليل الشوك بجسمه المضروب والمجروح ، وبقلبه وجنبه المطعونين بالحربة ،ومنذ القرن السادس عشر وحتى التاسع عشر كانت رسوم المسيح المصلوب بمفرده معلقاً على الصليب وسط منظر ليلى حالك السواد ، وكانوا يقدمون المسيح بطريقتين ، الأولى  كأنه قد مات على الصليب و أحنى رأسه إلى  صدره ، والثانية كأنه مازال حياً وهو يصرخ مستغيثاً مرفوع الرأس نحو السماء ، حسب  " مزمور 22 " .

أمّا الفنانون فى الشرق فقد رسموا المسيح قائماً بين جبلين تعلوهما الشمس والقمر ، يتوسط بين صليبى اللصين اللذين صُلبا معه ، واللص على اليمين ينظر إلى المسيح ، وهو مسمرًا على الصليب بأربعة مسامير فى اليدين والرجلين ونجد حول الصليب الجلادين ، ويضربه أحد الجنود بالرمح من اليمين ، ومن اليسار يقف جلاد آخر يحمل بيده وعاء ، ويرفع قضيبًا أو قصبة بها إسفنجة مبللة بالخل الممزوج بالمرارة و يدعى  " أسطفانوس وإلى اليمين يوحنا ومريم العذراء واقفين ينظران إلى المسيح المصلوب ، وإلى اليسار من الصليب تقف ثلاث نساء ، هن المريمات . 

وتُعبّر صورة المسيح على الصليب وقد طُعن فى جنبه عن ناسوته ، كما تعبرعيناه المفتوحتان عن لاهوته الذى لا يموت ، واُضيفت إلى النموذج القديم عناصر أخرى جديدة . منها الدم والماء المتدفق من جنب المسيح ، ثم قائد المائة والجمجمة  تحت قاعدة الصليب ، والملائكة  فى السماء ، ثم دخلت على الصورة عناصر أخرى حسب نصوص الإنجيل ، مثل حدوث الصلب خارج أورشليم ، ورسم عينى المسيح مغمضتين ، كما يلبس الإزار وهناك نموذج آخر لصورة الصلب . 

وهو النموذج اللاهوتى الرمزى الذى يتعلق بإنجيل يوحنا ، حيث يظهرعادة ثلاثة أفراد وأحياناً خمسة أشخاص ، وهم المسيح على الصليب و العذراء مريم و يوحنا الحبيب و فى بعض الصور يوجد جنديان ، أوملاكان ففى  كنيسة أبى سيفين فى  مصر القديمة توجد أيقونة  أعلى الحجاب الرئيس للهيكل ترجع إلى القرن 18 م ، كُتب أعلاها باللغة العربية  الصلبوت ، ويظهر المسيح معلقاَ على الصليب يعلو كتفيه حروف قبطية لاسمه مختصراً وهو عارى الجسد إلا من إزار سفلى ، والعينان لوزيتان والشارب خفيف واللحية دائرية ، ونجد أسفل الصليب جمجمة وعظمتين باللون الأبيض . 

ويقف عند الصليب يوحنا المعمدان  والسيدة العذراء ، ولا يوجد اللص اليمين أوالشمال ، أو الجنود الرومان وبالرغم من أنّ الأناجيل الأربعة قد تحدثت عن موضوع الصلب بالتفصيل ، فإنها قد اختلفت فيما بينها فى بعض التفاصيل، لذلك جاءت صور الفنانين التى تمثل هذا الموضوع متنوعة ، ومن خلال  تناول موضوع الصلب نجد أنّ بعض الفنانين فى القرن الثامن عشر، ابتكر طريقة جديدة فى تصوير هذا الموضوع ، حيث صمم الفنان " حنا الأرمنى " أيقونة الصلب بهيئة ثلاثية عبارة عن مدخل نجد له مصراعين أو ضلفتين . 

واقتصرت عناصر الموضوع على خمسة أفراد ،فالمسيح معلقاً على الصليب فى الوسط مغمض العينين ، حوله العذراء ويوحنا الحبيب ، وفى الجانبين اللص اليمين واللص الشمال ، كما رسم الفنان الصليب على هيئة قائم طويل يتقاطع مع أخر مستعرض أقل فى الطول ، وينتهى من أعلى بلافتة صغيرة مستطيلة الشكل. وقد أضاف الفنان عناصر أخرى إلى الصورة ، فبجانب المسامير ظهر المسيح مربوطاً من وسط ذراعيه بالحبال ، كما رُبط من قدميه ، وفى الجزء الأمامى موضع الصلب ثلاث جماجم وليس جمجمة واحدة . 

كذلك رسم الفنان اللصين ، وقد ربطا خلف أذرع الصليب من تحت الأبطين بالحبال من الأمام ، كما رُبطت الأقدام أيضاً بالحبال ، وأراد التمييز بين اللصين الشرير والآخر الذى آمن بالمسيح ، من حيث الشوارب واللحى ، ورسم هالة القداسة حول اللص اليمين ، وتجاهل ذلك بالنسبة للص الشمال .

واستخدم الكتابة العربية لتوضيح أفراد الصورة ، حيث كتب فوق كل منهم اسمه باللغة العربية ، كما كُتبت بعض العبارات الدعائية بجوار اللص اليمين ، التى جاءت فى الإنجيل للتعبير عن إيمانه فى آخر لحظات من حياته " اذكرنى  يارب إذا جيت فى ملكوتك ، فقال له يسوع الحق أقولك إنك تكون معى فى الفردوس "  . 

كما تتشابه مع أيقونة أخرى ، من حيث الشكل العام و عدد الأفراد فى الصورة ، وهى تنسب أيضاً إلى الفنان " يوحنا الأرمنى  " ، وإن اختلفت من حيث وجود بعض العناصر الأخرى ، مثل رسم المسيح بعينين مفتوحتين ، ورسم أجزاء من مبانٍ ذات طابقين ، وأجزاء لبعض القباب والجواسق المخروطية والهرمية، للإشارة إلى أنّ موضوع الصلب قد تم خارج مدينة أورشليم ، كما رسم الفنان الشمس على هيئة آدمى . 

وتتشابه مع هاتين الأيقونتين من حيث الشكل العام وعناصر الموضوع ، أيقونة تمثّل موضوع الصلب محفوظة بالمتحف القبطى تنسب إلى الفنان " يوحنا الأرمنى "، ترجع إلى سنة (1499 للشهداء) ، (1783 م) . 

وقد استمر الفنانون فى القرن التاسع عشر فى اتباع التقاليد القديمة فى تناول هذا الموضوع ، فرسم الفنان المسيح معلقاً على الصليب مغمض العينين ، يداه و قدماه مثبتة بالمسامير ، واستخدم الحبال فى ربط اللصين ، ويظهر ذلك فى أعمال الفنان أسطاسى الرومى . 

كما نجد صليباً مزدوجاً داخل الهالة خلف رأس المسيح بداخلها بعض الحروف القبطية ، وظهرت هذه الطريقة فى الرسوم منذ القرن السادس الميلادى ، حيث تحيط الهالة بالصلبان ، ووضع قطعة خشبية مربعة تستخدم كمسند لقدمى المسيح ، كما رسم لافتة فى نهاية الصليب ، عليها حروف لاتينية (IBNI) ، وقد تعددت عناصر الموضوع ، حيث رسم الفنان تسعة أفراد فى الصورة ،هم المسيح واللصان والعذراء خلفها إحدى المريمات ويوحنا الحبيب ،وأضاف الفارس الرومانى  " قائد المائة  " على  صهوة جواده ، يرتدى الملابس العسكرية ويمسك بحربة . 

كما يظهر اثنان من الجنود الرومان ، أحدهما يمسك بحربة يطعن بها المسيح ، والآخر يمسك قصبة معلق بها قطعة من الإسفنج المبلل بالخل ، يرفعها إلى المسيح الظمآن زيادة فى  تعذيبه ، ورسم فى موضع الصلب جمجمة لوجه أدمى  و قطعتين من العظم ، ورسم مجموعة من التلال الرملية ، للإيحاء أنّ مكان الصلب خارج المدينة فى الصحراء ، فيظهر فى الخلف مجموعة من المبانى التى تشير إلى أورشليم ، كما رسم سلسلة من السحاب والسماء باللون الأزرق ، ومجموعة من الشموس و الأقمارعلى هيئة أشكال آدمية . 

واختفت بعض العناصر من الموضوع، مثل الفارس الرومانى قائد المائة، وإحدى المريمات التى ظهرت خلف العذراء ، ولا تحتوى الخلفية على المناظر المعمارية التى تشير إلى مدينة أورشليم ، واختفاء الصليب الذى يتوسط الهالة ، وكذلك الحروف القبطية ، ورسم كل من اللص الشمال واليمين وهما مربوطان بالحبال ، أمّا المسيح فقد ثُبتت يداه وقدماه بالمسامير . 

وقد تناول بعض الفنانين موضوع الصلب بطريقة مغايرة لما سار عليه السابقون ، فجاء الموضوع به بعض التجديد والابتكار ، حيث رسم المسيح معلقاً على الصليب مغمض العينين يميل برأسه ناحية اليمين ، واقتصر موضوع الصلب على المسيح  فقط دون اللصين الأخرين ، ومن دون الجنود الرومان ،كما لم يظهر موضع الصلب المعتاد ، حيث الجمجمة والعظم ، ولم تظهر المسامير التى ثُبتّت فى يدى  و قدمى المسيح ، وهو يقف على مسند مربع الشكل ، وحول الصليب أربعة أشخاص اثنان على اليمين واثنان على اليسار ، ولم تظهر الطعنة بجنبه  الأيمن والدماء التى تتساقط  منه . 

واختلف توزيع عناصر الموضوع ، حيث كان يتواجد يوحنا الحبيب فقط بالجانب الأيسر ، والمريمات الثلاث أو مريم العذراء بمفردها فى الجانب الأيمن ، وتناول بعضهم أفراد الموضوع بطريقة مختلفة وجديدة لم يسبقه فى ذلك أحد ، حيث صّور مريم المجدلية وهى حاسرة الرأس ينسدل شعرها خلف ظهرها فى حالة من الحزن الشديد ، وهو مظهر من مظاهر الحزن و الأسى عند وفاة شخص عزيز ، يظهر ذلك بوضوح فى الريف المصرى منذ العصور القديمة إلى الآن . 

واختلف شكل يوحنا عن المعتاد فى الصور والرسوم السابقة ، وقد كتب الفنان بعض الحروف اللاتينية خاصة فى  صور الفنان أسطاسى الرومى ، كما ظهرت بعض الحروف على أذرع الصليب بالجزء الأيمن والأيسر تشير إلى اسم المسيح ، وهى طريقة جديدة لم تظهر فى موضوع الصلب .

وجاءت مريم العذراء بالجانب الأيمن وخلفها مريم أم يعقوب زوجة كلوبا ،كذلك اختلف عدد الجنود الرومان، حيث يظهر فى الصورة ثلاثة جنود ، أحدهم بجوار صليب اللص الشمال ، والآخر بجوار صليب اللص اليمين عكس المعتاد ، فقد كان يُرسم بجوار المسيح من الجانب الأيمن والأيسر ، أحدهما يطعنه بالحربة والأخر يرفع إليه زوفا " قصبة " بها قطعة من الإسفنج مبللة بالخل فاكتفى بالجندى الذى يطعن المسيح .  

author-img
نشأت للمعلومات التاريخية والأثرية

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent