recent
موضوعات

آيا صوفيا الحكمة الإلهية


نشأة القسطنطينية : 

هي المدينة الكبرى عاصمة الدولة العثمانية أسسها بيزنس رئيس الماغريين قبل التاريخ المسيحى بألف ومائتى عام ، وسميت بزنتية نسبة إليه ، وكانت في الماضى القرية الأولى بين تعداد قرى طراشيا التي هي الآن قسم من بلاد الروم ايلى ، وقد ملكها داريوس الأول أحد ملوك الفرس عام 521 ق.م  وجعلها نزهة للعين في حسن الرونق ، وبعد وفاته سنة 485 ق.م استولى عليها أهل يونياس من شعب هالان ، وهو جنس يونانى قديم .

ثم استولى عليها الملك أكسرخوس الأول وهو الخامس من ملوك الفرس سنة 472- 485 ق.م ، وخلفه أهالى مدينة سبارط من بلاد المورة وهى قاعدة بلاد لاكونيا ،ولم يستمروا طويلًا حتى انتزعها منهم أهالى مدينة أثينا التي أسسها شيكروب المصرى عام 1643ق.م ،وبعد ذلك بمدة طويلة استقلت وعظمت قوتها البحرية حتى صارت أعظم المدن في التحصين والمنعة، فزادت أطماع الملوك فيها  فحاصرها فيليب الثانى الكبير ابن امنيتاس ثامن ملوك مقدونيا ولم يستطع امتلاكها .


ولما نشبت حرب بين الرومان وملك البنطس ساعدهم أهالى القسطنطينية في القتال حتى انتصروا ،وفى سنة 193 م خضعت للقائد الرومانى بسنيوس فيجار ،ثم الملك سبتيم سافار أحد ملوك الرومان ،ولم تعد إلى جمالها ورونقها إلا في زمن قسطنطين الذى أكمل ترميم مبانيها سنة 330م ،وسميت القسطنطينية باسمه وهو قسطنطين الأول الملقب بالكبير ابن الملك قسطنطين من زوجته الملكة هيلانة ولد عام 274 م .

اسم آيا صوفيا : 

يرى البعض أنها نسبة إلى القديسة صوفية التي كانت من إحدى مدن إيطاليا تدين بالوثنية ، ورزقت بثلاثة بنات هن بيستس وتعنى " إيمان"   وهلبيس وتعنى " رجاء "  وأغابى وتعنى " محبة " ،وقد اهتدت إلى الإيمان المسيحى ورحلت مع بناتها إلى رومية لنوال نعمة العماد وذلك بعد وفاة زوجها ، وبعد العماد تولدت فى الأم غيرة قوية لتبشير المؤمنين ،فشرعت تعمل بين الوثنين لنشر الإيمان المسيحى حتى كُشف أمرها وكان ذلك فى عهد الإمبراطور هادريان (117- 138 م ) .

وعندما علم الإمبراطور بذلك استدعى الأم وبناتها ،وأمام الإمبراطور أظهرن الثبات والإيمان فأمر بقطع رأس بيستس وهلبيس ،وكان عمر الأولى 12 سنة ، والثانية عشر سنوات ، أما أغابى فكان عمرها تسع سنوات فقد أمر بحرقها ،وإذ لم تحترق فأمر بقطع رأسها هي الأخرى ،أما الأم فرافقت أجساد بناتهن إلى الدفن ،وهناك ألقت نفسها فوقهن وأسلمت روحها فى يدى الرب .

ويقول أبو المكارم في تفسير اسم صافية بمعنى القديسة الحكيمة وهذه القديسة صافية استشهدت وثلاثة بنات لها استشهدوا في مملكة دريانوس ملك الروم وفى بطريركية اومانيوس السابع في العدد ، وقد ورثت هذه الكنيسة اسمها عن كنيستين سبق انشائهما في نفس الموقع بنفس الإسم صوفيا المقدسة تهدمت أُولاهما واحترقت الثانية في عام 532م خلال ثورة الشعب المسماة " نيقا " .

أما الرأى الأخر فيرى انه لم يتم تسمية الكنيسة باسم القديسة صوفيا أو تكريسها لها ولكن للحكمة الإلهية و أنّ معنى الإسم هو الحكمة الإلهية فكلمة صوفيا " σοφία "  تعنى حكمة فى اليونانية والعبارة اليونانية  "Η Θεού Σοφία" تعنى حكمة الله واشار إلى ذلك المورخ بروكوبيوس وهو أحد مؤرخى عصر جستنيان حيث ذكر أنه من شدة اعجاب جستنيان بالمبنى لم يطلق عليه اسم أي من القديسين بل اطلق عليه اسم الحكمة الإلهية أوالمقدسة .

وكان السبب الرئيس في قيام الإمبراطور جستنيان بإنشاء الكنيسة الحالية كنيسة أيا صوفيا hagiu sophia هو أن تكون مركزا دينيًا بارزًا وحتى يتم تخليد اسمه على مر العصور ،وقد بدأ فى بنائها عام ٥٣٢م ،وافتتحت فى ٢٧ ديسمبر ٥٣٧ م أى أنّ تشييدها استغرق ست سنوات ، وكلف المهندسين الموجودين فى الإمبراطورية لوضع الرسوم والتخطيطات والإشراف على التنفيذ ، وأشرف على ذلك أيزيدور الملطى Isdore of Militus ، وأنثيموس الترلى Anthemius of tralles ، وأبولودورس الدمشقى   appollodorus of damascus  وعدد كبير من المهندسين يقال أنه قارب المائة مهندس .

وقد استعمل فى البناء عشرة ألاف عامل ، وأمر الإمبراطور فى جميع أنحاء الإمبراطورية بارسال أجمل ما بقى من الأبنية القديمة من أنواع الرخام والوانه المختلفة من كل الأقطار التابعة للإمبراطورية ، وتم صب كميات كبيرة من الذهب والفضة والعاج والأحجار الكريمة فى النقوش والزخارف المتنوعة ، كما اشترك الإمبراطور جستنيان بنفسه فى عملية تخطيط البناء وإقامته فكان يتردد يوميًا على العمال وهو يرتدى ثوبًا أبيض وفى يده عصا طويلة ، وعلى رأسه منديل وهويقوم بتشجيع العمال على العمل والإتقان وانجازه في الموعد المحدد .

حيث تم الإنتهاء من البناء في خلال ست سنوات ، وتمت الاستعانة فى سبيل تشييدها بأمهر الصناع من كافة أنحاء الإمبراطورية ويقال أن عددهم بلغ ألفا  ، والأرض والأعمدة والأقسام السفلى من الجدران تكونت من الرخام ، أما الجدران والسقف فتكونت من الفسيفساء الذهبية ، ويطل النور فيها عبر أربعين نافذة عند أسفل القبة وكانت الأشعة تنعكس على الفسيفساء المذهبة .

وصف آيا صوفيا : 

تُعّد كنيسة الحكمة الإلهية أيا صوفيا من روائع المعمار والفن البيزنطي ويلاحظ أنّها شيدت على نمط الطراز المعماري الذي وجد في أواخر عصر الإمبراطورية الرومانية وهو طراز البازيليكا الرومانية  وهي تكشف لنا عن المستوى الرفيع الذي وصلت اليه العمارة في عهد جستنيان  ، وكانت كنيسة أيا صوفيا أعظم ما بناه الأمبراطور جستنيان justinian  (527 – 565 م) .

وقد امتزج الفن اليوناني والرومانى والشرقى المسيحى في عهده ، حيث أن ثورة " نيقا " neka  فى عام 532 م مكنت الإمبراطور جستنيان من بناء عاصمته الجديدة بعد حرق الكثير من المباني ، فعزم الإمبراطور على أن يجعل عاصمة ملكه اجمل من روما وأن يبنى بها كنيسة فريدة فى العالم ، وبدأ بكنيسة أيا صوفيا الجديدة بعد اخماد ثورة نيقا بأربعين يومًا . 

قبة آيا صوفيا : 

تعد قبة آيا صوفيا رائعة الجمال والتطور في ذلك الوقت فقد كانت قبة ضخمة ليس لها نظير من قبل ،تبدو كأنها معلقة في الهواء ،وكان ذلك أمرًا طبيعيًا حيث أصبح المهندس البيزنطى له الخبرة والقدرة الواسعة والمعرفة لابتكار ماهو جديد ويلفت الأنظار .

وقد تعرضت الإمبراطورية البيزنطية في خلال حكم الإمبراطور جستنيان وعلى مدى تاريخها لعدد من الهزات الزلزالية التي اختلفت قوتها وتأثيراتها خلال المرحلة الواقعة بين القرنين الرابع والرابع عشر الميلاديين، وتركت تأثيرات مدمرة على العمارة في العاصمة القسطنطينية على نحو استدعى القيام بإعادة ترميم كنيسة أيا صوفيا ،نتيحة سقوط جزء كبير من القبة الضخمة.

حيث أمر جستنيان بإعادة بنائها مرة أخرى، فأصبحت أكثر ارتفاعًا من السابقة ،وقام بتدعيم الأساسات التي ترتكز عليها القبة ،وهى القبة التي ما زالت قائمة حتى اليوم  ، وقد وصفها المؤرخ بروكوبيوس بقوله " وكأنها تتدلى من سلسلة معلقة في السماء " . 

تخطيط الكنيسة : 

يتكون المسقط الأفقى من المجاز الأوسط المسقوف وهو مربع الشكل طول ضلعه 32 م ، به أربعة دعائم ضخمة طولها سبعة أمتار ونصف، وعرضها عشرة أمتار ،وتحمل هذه الدعائم أربعة عقود نصف دائرية ترتكز عليها القبة التي يبلغ قطرها 32 مترًا،وارتفاعها فوق سطح الأرض أربعة وخمسين مترًا ، وتنبسط إلى الشرق من المجاز الأوسط حنيتان نصف دائريتين تعلو كل منهما نصف قبة ،وتكّونان مع المجاز العريض الأوسط شكلًا بيضاويًا ،وعلى جانبي كل من هاتين الحنيتين نصف الدائريتين محراب تعلوه نصف قبة ، بينما تقع حنية المذبح في أقصى الجهة الشرقية .

وعلى جانبي المجاز الأوسط للكنيسة جناحان او رواقان من طابقين بعرض حوالى خمسة عشر مترًا ، الطابق الأول مخصص للسيدات ،وقد بنيت القبة من الطوب الآجر المربع الشكل الذى يبلغ طول ضلعه 67,5 سم في الجزاء السفلى، و60 سم في الأجزاء العليا منها لتخفيف الوزن ،وعٌشّيت الجدران والأكتاف بألواح الرخام المستورد ذي اللون الأبيض والأخضر والزرق والأسود إلى جانب رخام ثيساليا والبسفور المحلى، وثبتت هذه الألواح بواسطة مشابك معدنية في الجدران .

وكسيت الأرضيات بفسيفساء الرخام من مختلف الرسوم والألوان ،بينما غُشيّت القباب والقبوات بفسيفساء الزجاج الملون الذى يمثل صور الملائكة والقديسين فوق خلفية ذهبية  ، كان بناء آيا صوفيا على الطراز البازليكى ذو القباب ويبلغ طول المبنى الضخم 100م ،وارتفاع القبة 55م ،وقطرها 30 م ،وتم تخطيط الكنيسة على شكل صليب يونانى طوله 250 قدمًا ،وعرضه 225 ، وغطى كل جزء من أجزاء الصليب بقبة صغيرة .

وتم إنشاء القبة الوسطى وقامت القبة الوسطى على المربع البالغ مساحته 100 × 100 قدم والمكون من الضلعين المتقاطعين ، وكانت القبة تعلو عن الأرض مائة وثمانين قدمًا وقطرها مائة قدم ، وبنيت هذه القبة من الأجر ويتخلل محيط هذه القبة أربعون نافذة في ترتيب هندسى بديع يؤدى إلى دخول الضوء إلى داخل الكنيسة ، وتقوم القبة على عقود بين حافتها المستديرة وقاعدتها المربعة والكنيسة بنيت من الآجر .
وزخرفت بزخارف رائعة حيث فرشت أرضيتها وكسيت جدرانها بالمرمر المختلف الألوان ما بين الأبيض والأخضر والأحمر والأصفر والأرجوانى والذهبى ، وقد أُنشئت الأعمدة من المرمر فى هيئة صفوف فتبدوا للمشاهد كحديقة من الزهور والورود ، أما تيجان الأعمدة والعقود والمساحات المحصورة بينهم فقد تم تغطيتها بالنقوش والزخارف البديعة ، وكسيت بواطن القباب بالفسيفساء النادرة التي لا نظير لها .

وقد شاع استعمال الذهب والرخام السماقى مع البرونز الملون او المموه بالذهب ، فقد كلفت زخرفة كنيسة أيا صوفيا 000 , 320 ألف رطلًا من الذهب  ، وبعد أن دمر الزلزال القبة الوسطى عام 558م أُعيد بناءها وظلت كنيسة أيا صوفيا رمزُا لجمال وروعة العمارة البيزنطية حتى عام 1204 م حيث سقطت القسطنطينية فى أيدى الصليبيين  فخربوا جزءًا منها وظلت الكنيسة قائمة حتى الفتح العثمانى عام 1453 م ، وكانت كنيسة عظمى من أحسن كنائس الدنيا، وخارج آيا صوفيا توجد ساحة مربعة فيها أربع مآذن والأبواب من النحاس الأصفر منقوش عليها تماثيل قديمة من عهد بانيها ، وعلى سقفها صور منها صورة المسيح وصورة الملك قسطنطين .

وصف آيا صوفيا في القرن 12م : 

يصف المؤرخ أبو المكارم في القرن الثانى عشر الميلادى آيا صوفيا فيقول هي ذات ثلاثمائة وستين باب منها بابين يفتحان جهة الغرب ،على كل منهما زوج فضة جافية بغير خشب ،وفى وسطها قبة عالية جدًا محمولة على أركات معقودة محكومة الصنعة في البنا والهندسة لم يُرى في المدن والأقاليم مثالها في السعة والارتفاع ،ودائرة هذه القبة ثمانين طاق في كل طاق منها طبق لطيف فضة وضمنه زبدية بور وذلك معلق بثلاثة سلاسل فضة بحلقة فضة ومنقاط حرير .

وفى ضمن الزبدية جلاس وفيه فتيلة يتم إشعالها ،والمذبح داخل الاسكنا وهولوح ذهب خالص مبسوط على قدر المذبح محمول على عمد فضة أربعة ،وكسوة المذبح ديباج فاخر مكلل جميعها باللؤلؤ الوافر الساطع البياض واللميع ، وخارج الاسكنا اثنا عشر صحن كبار بللور معلقة توقد في الأعياد الكبار ،وعلى مكان فيه صورة السيدة والملاك ميخائيل والملاك غبريال عن يمين الصورة ويسارها قدام الصورة لوح ذهب كبير مرصع بالجواهر الكريمة .

والخزانة التي فيها الأوانى التي للبيعة من الكاسات والصوانى والأدرج والقراريب من الذهب والفضة من الصلبان والمجامر لا يُحصى له قيمة ، ولهذه الخزانة صندوق ذهب لطيف محكم الصنعة بقفل فضة وفيه ساعد القديس بندالاوس ودمه فى فقاعة زجاج عند استشهاده خرج من عنقه دم وماء أخذه بعض المؤمنين وجعله فى الفقاعة وجعله مع ساعده فى ضمن الصندوق ،وفى بيعة آيا صوفيا يُتوج الملك الذى يملك على الروم فوق الإنبل الذى هو منبر الكنيسة العظمى ،وهو منصوب في وسطها وعند اكتمال الصلاة عليه ولباس التاج يقول الكهنة روميًا ما تفسيره عربيًا : المجد لله في العلا وعلى الأرض السلام وفى الناس المسرة . 

آيا صوفيا في رحلة ابن بطوطة : 

وقد ذكر ابن بطوطة كنيسة آيا صوفيا في كتابه الرحلة قائلًا نذكر خارجها أما داخلها فلم أشاهده ، وهى تسمى آيا صوفيا ( بفتح الهمزة والياء آخر الحروف وألف وصاد مضمومة وواو مد وفاء مكسورة وياء كالأولى وألف ) ويذكر أنها من بناء آصف بن برخياء وهو ابن خالة سليمان عليه السلام وهى من أعظم كنائس الروم وعليها سور يطيف به فأنها مدينة وأبوابها ثلاثة عشر بابًا ، ولها حرم هو نحو ميل ، عليه باب كبير ، ولا يُمنع أحد من دخوله ، وقد دخلته مع والد الملك .

وهو شبه مشور مسطح بالرخام وتشقه ساقية تخرج من الكنيسة ، لها حائطان مرتفعان نحو ذراع ، مصنوعان بالرخام المجزع المنقوش بأحسن صنعة ، والأشجار منتظمة عن جهتى الساقية ، ومن باب الكنيسة إلى باب المشورمعرش من الخشب مرتفع عليه دوالى العنب ، وفى أسفله الياسمين والرياحين ، وخارج باب هذا المشور قبة خشب كبيرة فيها طبلات خشب ، يجلس عليها خدام ذلك الباب ، وعن يمين القبة مساطب وحوانيت أكثرها من الخشب ، يجلس بها قضاتهم وكتاب دواوينهم .

وفى وسط تلك الحوانيت قبة من الخشب يُصعد إليها على درج خشب وفيها كرسى كبير مطبق بالملف ، يحلس فوقه قاضيهم وعن يسار القبة التي على باب هذا المشور سوق العطارين ، والساقية التي ذكرناها تنقسم قسمين أحدهما يمر بسوق العطارين والأخر يمر بالسوق حيث القضاة والكتَّاب ، وعلى باب الكنيسة سقائف يجلس بها خدامها الذين يَقمّون طرقها ويوقدون سرجها ويُغلقون أبوابها ، ولا يدعون أحدًا بداخلها حتى يسجد للصليب الأعظم الذى يذكرون أنه من بقية من الخشبة التي صلب عليها المسيح .

وهو على باب الكنيسة في جعبة من الذهب طولها نحو عشرة أذرع ، وقد عرضوا عليها جعبة ذهب مثلها حتى صارت صليبًا ، وهذا الباب مصفح بصفائح الفضة والذهب وحلقتاه من الذهب الخالص ، وذُكر لى أن عدد من بهذه الكنيسة من الرهبان والقسيسين ينتهى إلى آلاف وأن بعضهم من ذرية الحواريين ، وأن بداخلها كنيسة مختصة بالنساء فيها من الأبكار " العذارى " المنقطعات للعبادة أزيد من ألف ، وأما القواعد " كبار السن " فأكثر من ذلك كله .

ومن عادة الملك وأرباب دولته وسائر الناس أن يأتوا كل يوم صباحًا إلى زيارة هذه الكنيسة ويأتي إليها البابا مرة في السنة ، وإذا كان على مسيرة أربع من البلد ، يخرج الملك إلى لقائه ويترجل له ، وعند دخول المدينة يمشى بين يديه على قدميه ، ويأتيه صباحًا ومساء للسلام طوال مقامه بالقسطنطينية حتى ينصرف .

السلطان محمد الثانى  ( الفاتح ) : 

لقد كشفت  الأحداث التاريخية  عن محاولة الأتراك العثمانيين الوصول إلى قلب العاصمة القسطنطينية ،وإخضاع تلك العاصمة والذي يمتد من عام 1337إلى 1453م ،حيث اكتسب الأتراك العثمانيون خبرة حربية بارزة في صراعهم معها ،وأخذ نفوذهم في التزايد على نحو أدى إلى ضآلة الأملاك البيزنطية فى آسيا الصغرى ،بل إن الاتراك العثمانيين عملوا على مهاجمة المدن البيزنطية بصورة عكست  الضعف الذى وصلت اليه تلك الإمبراطورية .
وقد ولد محمد الثاني بن مراد الثانى في 20 أبريل عام 1429 م ، وتوفيت امه هما خاتون في بورصة في أيلول 1449 قبل اعتلائه العرش  ، وصار محمد الثانى وليًا للعهد في حزيران عام 1443 م وعمره أحد عشر عامًا إثر وفاة أخيه الكبير علاء الدين على الذى كان يكبره بسبع سنوات ، وتولى الحكم عام 1451م وهو في الثانية والعشرين من العمر ، ونظرًا لصغر عمره  فقد التف حوله عدد من المستشارين المحنكين الذين قدموا له كل نصيحة صائبة أفادت تحركاته السياسية والعسكرية ، وقد جمع هذا السلطان بين البراعة العسكرية ومحبة العلم ، واتجه الى قراءة كتب التاريخ والاقتداء بسير كبار أعلامه ، وأجاد عدة لغات .

آيا صوفيا بعد الفتح : 

دخل السلطان محمد الثانى إلى المدينة وقت الظهر وقد تم اختيار كنيسة أيا صوفيا لتكون بمثابة الجامع الرئيس للعاصمة عقب الفتح حيث تم تغطية الفسيفساء الذهبية التي تمثل الفن البيزنطى بطبقة جصية وإقامة محراب في وسط الجناح الجنوبى للكنيسة ،وإلى اليمين منه اقيم المنبر تجاه المقصورة ،كذلك تم وضع لوحات النقوش الضخمة بأحرف بلغ طولها 9 أمتار احتوت على إسم الجلالة والرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين و ذلك بماء الذهب على لوحات مستديرة في عهد مراد الرابع سنه 1623 م ، 1664م .

كذلك تم تشييد أربع منارات إحداها شيدت في عهد محمد الفاتح والثلاث الأخريات اقيمت فى عهد من حكم من بعده وهى مآذن رشيقة متناسبة مع القباب تمثل الطراز العثمانى فى المآذن وأضافو ا الكثير من التعديلات لتحويلها إلى مسجد ، وجاء إلى آيا صوفيا بصفة فاتح وامبراطور روما بين تصفيق الشعب البيزنطى ، وأصوات تكبيرات وأذان الجيش التركى أفرغ آيا صوفيا وتفقدها وأمر برفع الأذان وأدى صلاة العصر بداخلها وامر بالبحث عن جثة الإمبراطور وأحضرها ،وسلمها إلى الرهبان وأمر بدفنه بإقامة المراسم ذاتها التي أُقيمت على الإمبراطور السابق ، وتم إقامة صلاة الجمعة في آيا صوفيا يوم واحد من حزيران والقى خطبة الجمعة آق شمس الدين باسم الفاتح . 

ويتقدم المبنى  الفناء الضخم الأمامى المحاط بالأروقة أو الأجنحة من الثلاثة جوانب ثم الدهليز ثم الصالة الرئيسية والصالات الجانبية ، وترتكز القبة الضخمة فوق الصالة الرئيسية التي تستند على مبنى مربع سفلى أو كأنه عبارة عن دعامات ضخمة، تحمل فوقها عقودًا كبيرة تحصر بينها المقرنصات التي تحمل قاعدة القبة ، وتستند القبة من الشرق والغرب على أنصاف قباب ضخمة ترتكز بدورها على عقود ودعامات سفلية بخفف الضغط على الحوائط ، والقبة من الداخل مغطاة بطبقة من الرصاص لحمايتها من العوامل الجوية وتفتح فى أسفلها النوافذ للإضاءة والتهوية .

وتقع الحنية فى الشرق وهى مضلعة الشكل والمعمودية فى الجنوب ، وكان الاهتمام موجهًا نحو تجميل المبنى وزخرفته بدرجة كبيرة من الداخل وقد استغل جستنيان جميع إمكانيات الإمبراطورية لزخرفة وتزيين المبنى فجزء كبير من الحوائط مغطى بألواح الرخام المتعدد الألوان والأنواع ، وزينت السقوف بمناظر رائعة من الفرسكو والفسيفساء وبالرغم من أن معظم المناظر قد تم تغطيتها بطبقات من الجص ورسم فوقها زخارف هندسية وكتابات بالخط العربى إلا أنّ كثيرًا من هذه الطبقات الجصية قد تساقطت وظهرت المناظر القديمة أسفلها . 

وكان يوجد هيكل عظيم تم هدمه ، وعلى دائره ممشى يُصعد عليه بسلم حلزونى عجيب وفوق المنبر يخفق سنجق السلطان الفاتح ، وقد كانت الجدران مزخرفة بالنقوش الذهبية حيث أمر السلطان الفاتح بتغطيتها وتم إزالة هذه التغطية وطبقة الجص في عهد السلطان عبد المجيد خان حيث تم ترميم الجامع وعاد إلى رونقه الأول .

أيا صوفيا فى القرن العشرين : 

قام مصطفى كمال اتاتورك باسقاط الخلافة وتحويل العاصمة إلى أنقرة في مطلع عشرينات القرن العشرين وتحديدًا عام  1923 م ، وفى عام 1924 م وافقت الحكومة التركية لمجموعة من الباحثين والمرممين بالمعهد البيزنطى في مدينة بوسطون بإجراء أعمال الكشف والبحث والترميم للفسيفساء التي تزخرف الكنيسة ، وأصبحت الكنيسة متحفًا مفتوحًا للفن والعمارة البيزنطية والتركية .

ولعل الكثيرين لا يعلمون أن الأتراك العثمانيين لم يكونوا يسمون أنفسهم أتراكًا بل عثمانيين أو عثمانلى لأن لفظ ترك وتركى فى لغة الأتراك يحمل معنى الجلاخة والبدائية ولم نجد سلطان آل عثمان موصوفًا قط بأنه تركى ، أما أول من استخدم هذه اللفظة من رؤساء الأتراك فكان مصطفى كمال وكان فى هذا الاستعمال يفخر بالجنس التركى الأصيل الذى قامت عليه الدولة فسمى نفسه أتاترك أي أبو الأتراك ولم يسمى نفسه عثمانلى .

استانبول : 

عرفت من قبل باسم بيزنطة،والقسطنطينية شيدها الإمبراطور قسطنطين العظيم وافتتحها في احتفال رائع في 11 مايو سنة 330 م وأطلق عليها روما الجديدة ،وقد أطلق عليها أهلها بعدوفاة قسطنطين اسم الإمبراطورنفسه تخليدًا لذكراه فعرفت باسم قسطنيطنوبوليس أي مدينة قسطنطين ،وعرفت المدينة بهذا لإسم لقرون طويلة ، احتفل بافتتاحها سنة 330م كعاصمة للدولة البيزنطية وقد احتلت موقعًا مهمًا نظرًا لوقوعها عند ملتقى قارة أوربا وآسيا ،وتحكمت في المواصلات بين أوربا وآسيا والطرق البحرية.

وأخذت العاصمة الجديدة بأسباب الرقى على حين فقدت روما أهميتها وطالها الإنحطاط وجرى تخطيطها على غرار مدينة روما ونموذجها وأصبحت هي العاصمة الإدارية للإمبراطورية بشقيها الشرقى والغربى،وقامت العمائر الضخمة وشيد قسطنطين الكنائس فغلب على القسطنطينية الطابع المسيحى،وحافظ قسطنطين على تأكيد روحها الهلينية وجعلها مركزًا للفن والعلم  ، وقد تغير اسم القسطنطينية إلى إسلام بول أو مدينة الإسلام أو استانبول أو الاستانة واختفى اسمها القديم ولم يعد موجودًا الا في كتب التاريخ فقط وظلت اسطنبول عاصمة الدولة العثمانية .

ومن الغريب أن اسم استانبول لم يُطلق على القسطنطينية بعد الفتح ،وإنما كان هذا الأسم موجودا قبل ذلك ، وهذا ما يؤكده ابن بطوطة عندما يذكر أن نصف المدينة فيه قصر السلطان يسمى اصطمبول ،فكأن هذا الإسم كان معروفًا قبل استيلاء المسلمين على المدينة ،حيث كنا نحسب أن الأتراك العثمانيين هم الذين أطلقوا هذا الأسم على هذه المدينة فسموه إسلامبول أي مدينة الإسلام ثم حرف إلى إستامبول ،ولكن الإسم معروف قبل استيلاء الأتراك على القسطنطينية بأكثر من مائة عام .

صراع الدولة الإسلامية والبيزنطية حول مدينة القسطنطينية : 

بعد ظهورالإسلام وانتشاره أصبح فتح العاصمة البيزنطية هدفًا للخلفاء المسلمين فكانت حملة عام 717 م ، ولكن الإمبرطورية البيزنطية تصدت لهذه المحاولة بقيادة الإمبراطور ليو الأيسورى ورجع المسلمون عن محاولة فتح العاصمة البيزنطية، ولكن ظلت فكرة الإستيلاء على القسطنطينية عالقة بأذهان القادة المسلمين  ، وكان الصراع بين الدولة الأموية والإمبراطورية البيزنطية صراع وجود حيث وضعت الدولة الأموية ضمن أهدافها إسقاط القسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية .

وفى العصر العباسى استمر الصراع بينهم وبين الدولة البيزنطية واختلفت أهداف هذا الصراع ، واذا كانت الإمبراطورية البيزنطية قد سايرت الحروب الصليبية واستفادت منها إلا أنّ الصليبيين قد حمَّلوا الدولة البيزنطية مسئولية  كل فشل صادف حروبهم ، ودفعت بيزنطة الثمن غاليًا حيث قامت الحملة الصليبية الرابعة في عام 1204 م بالإستيلاء على القسطنطينية وأسقطت الإمبراطورية حتى عام 1261 م .

وعندما قامت أسرة باليوجوس في عام 1261م لتعيد إحياء الإمبراطورية البيزنطية كانت أضعف من أن تقوم بأى محاولة لاستعادة ما فقدته بيزنطة على أيدى السلاجقة في آسيا الصغرى ومن بعدهم العثمانيين ، فاستمر صراع الوجود حيث وضع سلاجقة الروم ضمن أهدافهم السيطرة على آسيا الصغرى وزاد الأمر من ذلك أيام الأتراك العثمانيين .

وخلال فترة الحروب الصليبية وما بعدها زار القسطنطينية الرحالة أبو الحسن على بن بكر الهروى المتوفى بحلب عام 611هـ حيث سجل في كتابه الإشارات زيارته للعاصمة البيزنطية في عهد الإمبراطور مانويل كونيين ، وذكر الآثار الإسلامية والتسامح الدينى داخل الإمبراطورية البيزنطية فأشار أنه يوجد في جانب من مدينة القسطنطينية قبر أبى أيوب الأنصارى رضى الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم  واسمه خالد بن زيد  ،ولما قتل دفنه المسلمون وقالوا للروم " هذا من كبار أصحاب رسول الله وهذا القبر موجود حتى هذه الأيام .

ويُضيف الهروى أن بها الجامع الذى بناه مسلمة بن عبد الملك والتابعون ، وبه قبر رجل من أبناء الحسين بن على ويُشير الهروى إلى التسامح الدينى وحسن معاملة الإمبراطورمانويل له ، وفى عهد الإمبرطور ليو الأيسورى وهو الإمبراطور الذى دافع عن القسطنطينية وهزم القوات الإسلامية والحملة البحرية التي أرسلها سليمان بن عبد الملك تم بناء جامع القسطنطينية حتى ان المصادر البيزنطية وصفت الإمبراطور ليو بأنه كان ذا عقلية عربية .

كما كتب البطريرك نيقولاس مستيقوس في عام 913 م رسائل إلى الخليفة العباسى تقول "وعلى الذين توحد بينهم القوة الإلهية أن يتصلوا ببعضهم عن طريق الرسائل والمبعوثين وهذا ينطبق بخاصة على القوتين العظيمتين وهما البيزنطيون والمسلمون" ،ومن هذه الرسائل أيضًا " يا أشهر رؤساء المسلمين وياصاحب الجلالة ، وأيضًا عبارة إلى صديقنا الأسمى والأمجد الذى نصبه الله حاكمًا لأمة المسلمين .

وفي بداية القرن الرابع عشر الميلادى حين تاسست الدولة العثمانية كانت هذه مجرد إمارة صغيرة داخل حدود العالم الإسلامي تعتمد على فكرة الغزو ، وبدأت هذه الدولة الحدودية الصغيرة في التوسع بشكل تدريجى وذلك بإخضاع وضم الأراضى التابعة لبيزنطة في الأناضول والبلقان ،وتمكن السلطان محمد الثانى ومستشاريه شهاب الدين وزغنوس من إنجاز خططهم لمزيد من التوسع ، وكان هدف محمد الثانى إحياء دولة جده بايزيد الأول وهو إعادة كل الأراضى التي تمتد من الدانوب في الشمال إلى الفرات في الجنوب .

إلا أن محمد الثانى كان يختلف عن جده في أنه أراد أن تكون خطوته الأولى ناحية القسطنطينية ،حيث ادرك ان هذا الأمر سوف يؤمن له المكانة والسمعة اللازمة لإنشاء إمبراطورية جديدة ، وظلت الإمبراطورية البيزنطية تقاوم العثمانيين نصف قرن من الزمان وذلك بعد غزو تيمور لنك وهى تلعب بورقة الطامعين بالعرش العثمانى والتهديد بشن حملات صليبية جديدة ، واستغلت بيزنطة انشغال محمد الثانى بالهجوم على قرامان وهددت بإطلاق سراح أورخان المطالب بالعرش العثمانى لدفع السلطان إلى تقديم التنازلات .

وفى 12 ديسمبر عام 1452 م أٌقيم في كنيسة آيا صوفيا قداس بحضور الإمبراطور للإحتفال بالإتفاق على توحيد الكنيستين ، وهكذا دفعت الأحداث الخارجية والداخلية محمد الثانى على فتح القسطنطينية ، وقام محمد الفاتح بالسيطرة على البوسفور قبل حصار القسطنطينية وبناء قلعة روملى حصارى على الشاطىء الأوربى أي على المواقع المواجهة لقلعة أناضول حصارى التي بناها جده بايزيد الأول ، مما جعل من المستحيل عبور أية سفينة في البسفور دون اذن من السلطان .

وانقسم البيزنطيين إلى قسمين حيث طلبت أُوربا من البيزنطيين لكى تساعدهم ترك مذهبها الأرثوذكسى واعتناق المذهب الكاثوليكى أما الإمبراطور البيزنطى فقد كان حاميًا للمذهب الأرثوذكسى وحاميًا للبطريرك الأرثوذكسى ،ومن ثم فإنه من غير الممكن أن يتبع البابا من الناحية الدينية ،وبالرغم من عمق جذور العداوة التاريخية بين الكاثوليك والأرثوذكس فقد جرت مراسم دينية على الأصول الكاثوليكية في آيا صوفيا أكبر كنيسة في العالم في 12 عام 1452 م .

وتولى إدارة المراسم الكاردينال إيزادور Isidore  الذى أرسله البابا ، وغضب الشعب البيزنطى كله وقال رئيس وزراء البيزنط  الدوق الأكبر Noraras  جملته التاريخية معبرًا عن شعور البيزنطيين " إننى أُفضل أن أُشاهد فى ديار البيزنط عمامة الأتراك على أن أُشاهد القبعة اللاتينية " ، وأخذ البيزنطيون الذين لم يدخلوا آيا صوفيا منذ اتحاد الكنيستين يملئون المعبد الكبير يطلبون الخلاص من الأتراك ، وكتب الأمير دوكاس يقول " إنه لو ظهر في تلك اللحظة ملك وسأل البيزنطيين عما كانوا يفضلون أن يُصبحوا كاثوليك وينجوا من الأتراك أم أن يظلوا أرثوذكس ويعيشوا تحت إدارة الأتراك لفضل كل بيزنطى الشق الثانى " .

فلما طلب المدد من الدول الأوربية ووعدهم مكافأة لهم بضم الكنيسة الرومية إلى الكنيسة الرومانية أرسل البابا وملك نابولى وحاكم جينوا عددًا عظيمًا من الجنود لينضموا إلى عساكره في ساحات القتال ، غير أنّ اليونان لمّا عرفوا بأن مساعدة الدول الأوربية لهم الغرض منها ضم كنيستهم إلى الكنيسة الرومانية غضبوا وكتموا غضبهم وبغضهم لملكهم قسطنطين دراغايس ابن الملك عمانويل ،لأنه السبب في ضم الكنيستين وكان أحد وزرائهم وهو نوتاراس ينادى في شوارع مدينة القسطنطينية ويقول أود من صميم قلبى أن أُشاهد في القسطنطينية تاج السلطان محمد من أن أرى بها إكليل بابا قلنسوة كردينال .

واتفق اليونان واتحدوا على إخلاء المدينة ولم يبقى أحد منهم  يُدافع عن المدينة ، واستمر حصار القسطنطينية أربع وخمسون يومًا من 6 أبريل إلى 29 مايو 1453م ، وقد قصف محمد الفاتح المدينة بأضخم مدافع عرفها العالم في ذلك الوقت ، وشارك في الدفاع عن أسوار المدينة سفير البندقية والمطالب بالعرش العثمانى أورخان وخلال الحصار انسحب الكثير من أفراد القوات اليونانية التي كان يمولها الإمبراطور ، واندلع النزاع بين الإيطاليين والسكان اليونان المحليين وتحدد موعد الهجوم النهائي في 29 مايو 1453م .

وتولى زغنوس الإعداد لهذا الهجوم وتمكن الجيش العثمانى من تحطيم المقاومة ودخول المدينة من خلال ثغرة في الأسوار ، وتجول السلطان محمد الفاتح مع مرافقيه في اليوم التالى للفتح في المدينة وتوجه إلى آيا صوفيا للصلاة فيها وحول هذه الكنيسة إلى جامع ، كما اتخذ القسطنطينية عاصمة للدولة العثمانية ، وكان محمد الفاتح المؤسس الحقيقى للإمبراطورية العثمانية ، فقد أسس إمبراطورية في أُوربا وآسيا عاصمتها استانبول وحمل لقب سلطان العالمين " البلقان والأناضول "  وسلطان البحرين وهما " البحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط " .

وتُعَّد نهاية الإمبراطورالبيزنطى الأخير موضع للتامل فقد طلب منه محمد الثانى الإستسلام والخروج بسلام من القسطنطينية غير أنَّه رفض ذلك وظل يقاوم إلى أن قتل على الرغم من أن الوضع العسكرى يؤكد أنّه يميل إلى صالح العثمانيين ، وأن الأمبراطور ومن معه  من الذين يدافعون عن العاصمة البيزنطية  كانوا يعرفون ذلك ، ولكنه ظل يقاوم وأراد ان يموت بشرف ولا يستسلم ذليلا لأعدائه .

وعلي أية حال فان ذلك الأمبراطور الذي قاتل ولم يستسلم يستحق الإحترام وهذا ما سجله التاريخ له ، ومن المهم هنا تناول سلوك السلطان محمد الذي لقب بالفاتح تجاه المدينة وسكانها والواقع أنه عامل أهلها معاملة متحضرة ، وقد أمر جنوده بحسن معاملة الأسرى البيزنطيين ، وافتدى من ماله الخاص عددا كبيرًا من الأسرى وخاصة الأمراء ورجال الدين ، ونال تقدير المعاصرين حتى من غير المسلمين ، ومن الباحثين الأوروبيين المحدثين .

المصادر والمراجع :

- أبو المكارم : تاريخ أبو المكارم عن الكنائس والأديرة في القرن 12 بآسيا وأوربا ، ج 3 ، 2000م
- ابن بطوطة : رحلة ابن بطوطة " تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار ، ج1 ، الطبعة الأولى ، 1987م
- أنبا يوأنس : الإستشهاد في المسيحية ، الطبعة الرابعة 1969م
- برنارد لويس : استانبول وحضارة الخلافة الإسلامية ، الطبعة الثانية ، 1982م
- ثروت عكاشة : المعجم الموسوعى للمصطلحات الثقافية ، مكتبة لبنان ، 1990م
- ثروت عكاشة : الفن البيزنطى ، ج11 ، الطبعة الأولى ، 1993م
- خليل إيناجك : تاريخ الدولة العثمانية من النشوء إلى الإنحدار ، دار المد الإسلامي ، 2002م
- روبير مانتران : تاريخ الدولة العثمانية ، ترجمة بشير السباعى ، 1989 م
- شيلا بلير ، جوناثان بلوم : الفن والعمارة الإسلامية ، ترجمة وفاء عبد اللطيف ، 2012م
- عزت زكى حامد قادوس : الآثار القبطية والبيزنطية ، الإسكندرية ، 2002م
- عزتلو يوسف بك آصاف : تاريخ سلاطين بنى عثمان ، مكتبة مدبولى ، الطبعة الأولى ، 1995م
- عبد العزيز محمد الشناوى : الدولة العثمانية ،ج1 ، 1980م
- فاطمة قدورة الشامى : الحضارة البيزنطية ، الطبعة الأولى ، 2002م
- محمود سعيد عمران : حضارة الإمبراطورية البيزنطية ، الإسكندرية ، 2011م
- محمد فريد بك : تاريخ الدولة العليا العثمانية ، الطبعة الأولى ، 1893م
- يلماز أوزتونا : تاريخ الدولة العثمانية ، ترجمة عدنان محمود سليمان ، المجلد الأول ، تركيا ، 1988م  
author-img
نشأت للمعلومات التاريخية والأثرية

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent