recent
موضوعات

حقيقة هروب العائلة المقدسة إلى مصر ومدة إقامتها

هروب العائلة المقدسة إلى مصر

أسباب اللجوء إلى مصر : 

لقد تشرفت مصر دون بلدان العالم كله بمجىء  السيد المسيح  إليها ، و ليس هذا بغريب لأنّها سبق أن أوت الإسرائيليين ، عندما حل بهم القحط و الجفاف فى زمن يوسف ، كما لجأ إليها بعض أبنائهم ، فكذلك لجأ إليها السيد المسيح هارباً من وجه هيرودوس ، فتمت بذلك النبوءات القائلة  " هو ذا الرب راكب على سحابة سريعة ، و قادمة إلى مصر فترتجف أوثان مصر من وجهه ، و يذوب قلب مصر داخلها " ( أشعياء 19: 1) . 
ففى السنة الثانية و الأربعين من حكم أوغسطس ، والثانية و العشرين بعد إخضاع مصر، وموت أنطونيوس وكليوباترا ، اللذيَن انتهت بموتهما أسرة البطالسة فى مصر ، ولد المسيح فى بيت لحم اليهودية ، فاشتد انزعاج هيرودوس بسبب المجوس ، الذين أتوا من الشرق سائلين أين هو المولود ملك اليهود ، لأنهم رأوا نجمه فعلم هيرودوس أنّ مملكته ستتعرض للخطر ، فسأل علماء الناموس فى الأمة اليهودية أين يولد المسيح ، وعندما علم أنّ نبوءة ميخا النبى أعلنت أنّ بيت لحم هو محل ميلاده ، أصدر مرسوماً بقتل جميع أطفال بيت لحم الذكور ، وما حولها من ابن سنتين فما دون ، بحسب الزمان الذى تحقق من المجوس . 
و لم تتناول الأناجيل قصة الهروب إلى مصر ، عدا إنجيل متى الذى تناول هذا الموضوع فى الإصحاح الثانى ، الذى حكى قصة المجوس ، وقدومهم إلى أورشليم عند ميلاد المسيح ، يسألون عن ملك اليهود المولود ، ويخبرون أنّهم رأوا نجمه فى المشرق . فلما شاع الخبر، وعلم هيرودوس بذلك ، جمع كل رؤساء الكهنة وكتبة الشعب ، وسألهم أين يولد المسيح ، فقالوا له فى بيت لحم اليهودية ، فدعا هيرودوس المجوس سراً ، وتحقق منهم زمان النجم الذى ظهر ، ثم أرسلهم إلى بيت لحم ليتحققوا من ذلك ، وطلب منهم أن يخبروه إذا وجدوه ، حتى يذهب ، و يسجد له هو أيضاً ، فلمّا تحققوا من مولد المسيح أوحى إليهم فى حلم أن لا يرجعوا إلى هيرودوس ، فانصرفوا من طريق أخر إلى كُورتهم . 
و بعد انصرافهم ظهر ملاك الرب ليوسف فى حلم قائلاً ، قم وخذ الصبى وأمه واهرب إلى مصر، و كن هناك حتى أقول لك لأن هيرودوس مزمع أن يطلب الصبى ليهلكه ، فقام وأخذ الصبى ، و أمه ليلاً وانصرف إلى مصر ، و كان هناك حتى وفاة هيرودوس . 
 كما ذكر إنجيل القديس توما أخبار عن طفولة المسيح فى أرض مصر ، وعن معجزة السمكة الميتة التى دبت فيها الحياة من جديد ، بيد الطفل الذى كان عمره ثلاث سنوات ، كما هو وارد فى هذا الإنجيل . 

المدة الزمنية لإقامة العائلة المقدسة فى مصر : 

 اختلف المؤرخون فى تقدير المدة التى أقامتها العائلة المقدسة فى مصر ، فقدّرها المقريزى بأربع سنوات ، حيث ذكر أنّ السيدة العذراء سارت بالمسيح وعمره سنتان على حمار ومعها يوسف النجار ، حتى قدموا أرض مصر فسكنوها مدة أربع سنين ، ثم عادوا وعمر المسيح ست سنوات ، فنزلت به مريم قرية الناصرة من جبل الجليل " يُعرف بجبل كنعان " فاستوطنتها .
و يرى الأنبا غريغوريوس أنّ المدة التى قضتها العائلة المقدسة فى مصر تزيد قليلا على ثلاث سنوات ونصف سنة ،  و قد تبلغ أربع سنوات ، فبعض المصادر الكنسية تنص على أنّ إقامة العائلة المقدسة فى مصر إلى أن تلقت الأمر بالعودة إلى فلسطين ، استغرقت أكثر من ثلاث سنوات وسبعة أشهر ، ولابد أنها استغرقت بضعة شهور أخرى منذ أن غادرت جبل قسقام ، حتى وصلت إلى فلسطين فى الطريق العكسى الذى سلكته من فلسطين إلى قسقام .
و يشير بعض الباحثين إلى عدم معرفة المدة الزمنية التى قضتها العائلة المقدسة فى مصر ، على وجه التحديد ، غير أنّه من الثابت أنّ هيرودوس الذى كان يتعقب العائلة المقدسة  قد مات فى العام الأول نفسه لميلاد المسيح ، و من ثم ربما وجدت العائلة المقدسة الهاربة أنّه ليس من الضرورى إطالة إقامتها فى مصر أكثر من هذا الوقت .
ويحكى مؤلفو كتاب التاريخ الرهبانى لمصر " هستوريا مونا خورم " ، أنّهم زاروا قديساً يدعى أبوللو فى مقاطعة هرموبوليس ( الأشمونين حالياً بمدينة ملوى محافظة المنيا ) ، حيث ذهب المخلص مع مريم و يوسف إتماماً لنبوءة أشعياء التى تقول " هو ذا الرب راكب على سحابة سريعة و قادم إلى مصر فترتجف أوثان مصر من وجهه وستسقط على وجوهها .
ومن خلال هذه الرواية يتأكد لدينا أنّ العائلة المقدسة قد مرت بدير القديس أبوللو بباويط ، الذى يقع على بعد خمسة عشر كيلو متر من مدينة ديروط بالجبل الغربى ، فى طريقها إلى جبل قسقام ، حيث الدير المحرق بالقوصية – محافظة أسيوط .

العائلة المقدسة بجبل قسقام ( دير المحرق حالياً ) : 

 اتفق الباحثون على أنّ العائلة المقدسة بعد رحيلها من أورشليم إلى مصر ، و انتقالها بين عدة بلاد وقرى حطت رحالها فى قسقام ، و هو سفح جبل كان فى ذلك الزمان صحراء قفرة لا يسكنها أحد ، و كان يوجد بيت مهجور من اللبن ، وسقفه من سعف النخيل ، يقع على منحدر هضبة شرقية واسعة ، فى خارجه من الجهة الشمالية يوجد بئر ماء .
وظلت العائلة المقدسة فى هذا البيت ، واستراحت فيه ، إلى أن ظهر ملاك الرب ليوسف النجار فى الحلم ، و أمره بالذهاب إلى اليهودية ، مع الطفل و أمه ، معلناً أنّ الذين يطلبون الطفل قد ماتوا ، حيث سجّل إنجيل متى ذلك " فلمّا مات هيرودوس إذا بملاك الرب قد تراءى ليوسف فى الحلم بمصر ، قائلاً قم و خذ الصبى و أمه و اذهب إلى أرض إسرائيل فإنّه قد مات الذين يطلبون نفس الصبى " .
و كان هذا الحدث فى سنة (4 ق . م) وطبقاً للتقويم المصرى و الرومانى " اليوليانى " ، فإنّهم وصلوا إلى قسقام ليلة يوم 7 من برمودة الموافق 2 من أبريل المقابل ليوم الاثنين ، وغادروا فى نهار يوم 9 من بابه الموافق 3 من أكتوبر المقابل ليوم الأربعاء أى مكثوا " 185 يوماً " ، و يؤكد المقريزى ذلك بقوله إنّ المسيح قد أقام فى هذ الموضع ستة أشهر وأياما .
و صارت الغرفة التى سكنوها هى ذات الهيكل الذى تقام فيه القداسات والصلوات إلى اليوم ، بكنيسة العذراء الأثرية بالدير المحرق ، وتُجمع كل المصادر التاريخية والكنسية على أن دير المحرق هو آخر بقعة فى صعيد مصر بلغتها العائلة المقدسة فى رحلتها التاريخية المباركة من الشمال إلى الجنوب .
أمّا رحلة العودة فقد كانت الطريق نفسه الذى أتت منه العائلة المقدسة نحو مدينة الناصرة فى فلسطين ، وذلك عندما كان الطفل قد بلغ ثلاث سنوات من العمر ، وتناول إنجيل متى أمر الملاك ليوسف النجار بالعودة إلى أرض إسرائيل : " فلمّا مات هيرودوس إذا ملاك الرب قد ظهر فى حلم ليوسف فى مصر قائلاً ، قم وخذ الصبى وأمه واذهب إلى أرض إسرائيل لأنه قد مات الذين كانوا يطلبون نفس الصبى ، فقام وأخذ الصبى و أمه وجاء إلى أرض إسرائيل " .

العائلة المقدسة في أعمال الفنانين : 

وقد سجّل الفنانون رحلة العائلة المقدسة إلى مصر ، وذلك بالتنوع فى هذا الموضوع ، و رسموا الأفراد الذين شملتهم هذه الرحلة ، فأحياناً تُرسم العذراء و هى تمسك بيد المسيح ، وهو طفل صغير يبلغ عمره عدة سنوات يسير على قدميه ، و معهم يوسف النجار يضع يده على رأس حماره ، و خلفهم ثلاث شجيرات ، فوق إحداها طائر يشبه الحمامة ، و أحد الملائكة ينظر من أعلى تجاه المسيح .
كما رسم العذراء فوق ظهر الحمار الذى يشبه الحصان ، ومعها يوسف النجار الذى يمسك بزمام الحمار ، يحمل على كتفه المسيح الطفل ، وتسير خلفهم سالومى ، ويظهر فى الرسم مدينة أورشليم كما جاء بأيقونات دير المحرق بمدينة القوصية محافظة أسيوط و التي ترجع إلى القرن الثامن عشر و التاسع عشر من أعمال الفنان يوحنا الأرمنى .
و من المعروف أن هذا الموضوع لم يتم تناوله بكثرة فى الصور الجدارية ، أو على التحف المنقولة فى القرون المسيحية الأولى ، وهو من الموضوعات النادرة التى لم تظهر إلا فى أماكن قليلة جدا ، قياساً بالكثير من الموضوعات الدينية المسيحية التى انتشرت فى الصور الجدارية ، وعلى التحف المنقولة والنسيج ، فقد ظهر هذا الموضوع فى كنيسة دير أبى حنس بملوى محافظة المنيا .
وظهر فى رسم بالفرسكو بالحنية الشمالية فى الديرالأحمر المعروف بدير القديس بيشوى ، ويرجع إلى العصور الوسطى ، كما توجد أيقونة بالمجموعة السفلية الصغيرة التى تعلو الحجاب الأوسط الرئيس لهيكل كنيسة أبى سيفين بمصر القديمة ، تمثل دخول السيد المسيح إلى أرض مصر ، و يظهر فى رحلة الهروب العذراء ، و يوسف النجار، والمسيح الطفل ، واثنان من الملائكة ، مع كتابة عربية ، نصها  "  ظهور الملائكة للرعاة " و هى ترجع إلى القرن الثامن عشر .
أيضاً بالكنيسة نفسها أيقونة تمثل دخول مصر  ، و هى بالخورس الأول للكنيسة ، يظهر فيها العذراء تحمل المسيح ملفوفاً بلفائف بيضاء  ،  و يوسف النجار يمسك بعصا تتدلى منها بعض متاعه ، كُتب أعلى رأسه باللغة العربية  "  يوسف النجار خطيب العدرى  " ، كما كُتب بجوار الشجرة التى تستظل بها العذراء " شجرة البلسمى " ، بجوارها بناء صغير ينساب منه الماء .
و يظهر الحمار بين يوسف النجار والعذراء ، وقد حرص الفنان على الإشارة إلى مصر فى الخلفية ، حيث رسم الأهرامات الثلاثة بدقة ، وعددًا من المبانى عبارة عن أبراج مراقبة ، و سجّل تاريخ صناعة الأيقونة بالتاريخ الهجرى (1191 عرابى)، (1789م)، كما كتب فى أربعة سطور " صورت دخول السيدة ، فى أرض مصر اذكر ، يارب عبدك المهتم المعلم لطف الله ميخائيل شاكر فى ملاكوتك .
كما توجد أيقونة تمثل رحلة  العائلة  المقدسة ، ترجع القرن الثامن عشر، محفوظة بالمتحف القبطى بالقاعة رقم (13) ، أثر رقم " 3350 " و يظهر فيها يوسف النجار يحمل المسيح على كتفه ، والعذراء تركب الحمار، وفى الخلفية أشجار النخيل، وبعض أشجار السرو، وبعض المبانى والعناصر المعمارية ، وهما من أعمال الفنان يوحنا الأرمنى .
و فى القرن التاسع عشر ظهر هذا الموضوع فى أعمال الفنان " أسطاسى الرومى القدسى المصوراتى " ، و ذلك فى كنيسة القديسة دميانة بدير القديس أباهور بسوادة بمحافظة المنيا، يمثل جلوس العائلة المقدسة للاستراحة فى أثناء هروبها بمصر، حيث تظهر العذراء جالسة فوق العرش ، و يجلس المسيح فوق فخذها الأيسر، و معهم يوسف النجار، و الحمار، وهى ترجع إلى سنة (1859م)                                             
author-img
نشأت للمعلومات التاريخية والأثرية

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent