الدفن :
الدفن :
بعد موت المسيح ذهب يوسف الرامى وهو تلميذ
يسوع ، حيث كان يُخفى إيمانه بسبب الخوف إلى بيلاطس ، ليأخذ الجسد فأذن له
بيلاطس ، وجاء أيضاً نيقوديموس ليلاً وهو حامل مزيج من المر والعود ، فأخذا جسد يسوع و لفّاه بأكفان من الكتان ، مع
أطياب ، كما هى عادة اليهود فى التكفين .
وكان فى الموضع الذى صلب فيه بستان ، به
قبر جديد منحوت فى الصخر لم يوضع فيه أحد من قبل ، و هناك وضعا يسوع لأن القبر كان
قريباً ، و كان يوم الاستعداد والسبت يلوح ، و تبعه نساء كن قد أتين معه من الجليل ،
نظرن إلى القبر و كيف وضع جسده، فرجعن و أعددن حنوطاً وأطيابا ، و فى السبت إسترحن
حسب الوصية .
ويُصَوَّر المسيح فى هذا
المشهد ، حيث يُودع جثمانه القبر، إما فى وضع أفقى أو جالساً ،وقد تجلت جروحه
تسنده الملائكة ، كما يظهر معه فى هذا المشهد مريم العذراء ، ويوحنا الإنجيلى ،
ومريم المجدلية ، ومريم أم يعقوب .
وللأسف الشديد لم يظهر هذا المنظر كثيراً فى
الصور الجدارية أوالفنون التطبيقية ، لكنه ظهر فى الأيقونات حيث ظهر المسيح بداخل
تابوت حجرى مستطيل الشكل ،عارى الجسد لا يستره سوى الإزار السفلى ، يداه وذراعاه
مفرودتان بجواره ونجد القدمين متلاصقتين ، يقوم بتكفينه ولفه فى كفن باللون الأبيض ،
يوسف الرامى الذى يمسك بأطراف الكفن من الناحية اليسرى ، ونيقوديموس بالجانب الأيمن
عند رأس المسيح ، و يقف بجواره ناحية اليسار يوحنا الحبيب تلامس يده كفن المسيح.
ونلاحظ
أنّ الكفن يبدو قطعة واحدة و هو من الكتان
كما جاء بالأناجيل ، ولقد كان القطن هو المختار عند المصريين قديماً لتكفين الموتى ،
وكان يسمى بيسوس ، و يقال فى سبب اختياره دون غيره أنّ إيزيس لفّت أعضاء أوزوريس
بعد قتله فى قماش القطن ، و إلى الآن جميع أكفان الموتى المستخرجين من القبور توجد
من ثياب القطن ، خلافاً لمن قال إنّها من الكتان ، وقال جوليوس إنّ البيسوس نوع من
الكتان ، وأنّ فى مصر شجرة صغيرة يستخرج منها نوع من الصوف له شبه بالكتان يعمل منه
أقمشة .
وتقف العذراء فى منتصف التابوت فى حالة من الحزن ، خلفها من الناحية اليسرى
مريم المجدلية حاسرة الرأس ، فى حالة من النواح و الحزن الشديد و الأسى ، تمسك بكلتا
يديها ضفيرتين من شعر رأسها ، و هى تشبه الحالة المعتادة فى كثير من القرى المصرية
فى مثل هذه المواقف المليئة بالحزن و الأسى و العويل على فقد عزيز ، حيث تخرج بعض
النساء حاسرات الرءوس .
وهى عادة قديمة
ترجع أصولها إلى بعض العادات الجنائزية فى العصر الفرعونى ، حيث تتكون الجنازة فى
ديانة طيبة من أربع مراحل ، أول شىء هو المناحة فى بيت الميت حول سرير الموت الذى
تؤدى فيه النائحات المحترفات دوراً مهماً وهن يلطمن رءوسهن وصدورهن ، ويحسون التراب
فوق أجسامهن وينادين السماء كى تشهد على حزنهن ، ثم يوضع التابوت الخشبى و بداخله
المومياء فوق حامل و ينقل فى قارب.
وعند عبور النهر تقف امرأتان تمثلان إيزيس
و نفتيس تنتحبان طوال فترة العبور ، وفى المرحلة الأخيرة يقوم الكهنة بالطقوس ،
وبعدها تركع الأرملة أمام التابوت وتمسكه بذراعيها وتقول كلمة الوداع ، وبعد ذلك
ينزلون التابوت إلى موضعه فى القبر .
كما يظهر وجه امرأة أخرى بجوار السيدة
العذراء من المرجح أنّها مريم أم يعقوب ، التى تعرف بمريم الأخرى ، كما جاء فى
إنجيل متى (مت 27: 59 – 61) ، وأراد الفنان أن يربط بين موضوع الصلب و الدفن ، فرسم فى خلفية
الموضوع صليباً على هيئة حرف (T) اللاتينى ، ينتهى من أعلى بلافتة صغيرة
مستطيلة الشكل باللون الأبيض ، عليها كتابة باللغة العربية تقول هذا هويسوع الناصرى
ملك اليهود.
وأضاف الفنان" أسطاسى الرومى " للموضوع مجموعة من العناصر، التى توضح عدد
الأفراد الذين تواجدوا فى أثناء التكفين و الدفن ، وأشار إلى وجود الملائكة ، كما أنه
لم يغفل الأدوات التى استخدمت فى عملية التكفين ،وبعض الأشياء التى استخدمت فى
الصلب ، وتم نزعها عن المسيح، حيث نجد المسيح موضوعاً على الكفن ، وهومن الكتان
الأبيض.
ويتم إنزاله داخل تابوت حجرى مستطيل الشكل ، مُمَّددأً ومستلقياً على ظهره
مغمض العينين ، عارى الجسد إلّا من الإزار الذى صُلب به ، يداه متقاطعتان فوق منطقة
الحوض، ويمسك بطرفى الكفن يوسف الرامى ونيقوديموس بطريقة دائرية مجدولة ، ويقف
يوحنا الحبيب عند التابوت ، ويميل بجسده ناحية المسيح ، ويمسك بيده اليسرى جسد
المسيح ، وباليد اليمنى طرف الكفن الذى يظهر أنّه من القماش الطويل.
أمّا العذراء
فتقف بجوار التابوت من الخلف فى الوسط فى حالة من الحزن ، ترفع يديها وذراعيها ، وهى
تصيح وتميل برأسها ناحية المسيح ، خلفها على اليمين واليسار اثنان من الملائكة
وأخران فى الأركان من أعلى ،وخلف الملاك بالجانب الأيمن إحدى المريمات، تميل
برأسها ، وهى تنظر ناحية المسيح .
وفى الجانب الأخر تقف اثنتان من النساء تنظران
ناحية المسيح، تضع كل منهما يدها على صدرها بشكل متقاطع، حيث يذكر إنجيل مرقس وجود
عدد من النساء ينظرن من بعيد بينهن مريم المجدلية ، و مريم أم يوسى أين وضع يسوع .
كما
أضاف الفنان لموضوعه أوانى الحنوط الخاصة
بالتكفين ، وهى عبارة عن إناء حجرى ، وكأس ، وإبريق ذى مقبض ، وصنبور ، كما توجد
أشكال مسامير وقيد وسلم ، وربط الفنان موضوع الدفن بالصلب ، فرسم الصليب فى
الخلفية معلقاً به شكل دائرى ، يمثل إكليل الشوك الذى يرمز إلى الاستشهاد والتضحية
، ينتهى الصليب بلافتة مستطيلة عليها حروف
لاتينية .
وتوجد أيقونة تمثّل الموضوع
نفسه وهو تكفين المسيح وبجواره المريمات،
ويوسف الرامى و نيقوديموس ،عليها توقيع الفنان أسطاسى الرومى بكنيسة السيدة
العذراء المغيثة بحارة الروم بالقاهرة ، وهى ترجع إلى القرن التاسع عشر .
كما رسم
بعض الفنانين الذين لم يوقعوا على أيقوناتهم ، فى الجزء السفلى تابوتاً حجرياً ، ظهر به
المسيح مقمطاً فى الأكفان يشبه المومياوات الفرعونية ، وهذ الشكل ظهر فى الأيقونات السابقة على القرن
الثامن عشر، حيث كانت تصور المسيح ملفوفاً كالمومياء الفرعونية .