recent
موضوعات

حرب تحطيم الأيقونات وأثرها على العالم المسيحى


 
            حرب تحطيم الأيقونات                                  
ذهب بعض الباحثين مثل أُوستروجوريسكى  وغيره ،  ممن  قاموا ببحوث جادة حول حركة تحطيم الصور المسيحية ، إلى القول بأنّ هذه الحركة قد جاءت متأثرة بتحريم الإسلام للتصوير ، ومهما يكن من أمر ذلك فقد كانت حركة تحطيم الصور المسيحية حدثاً  تاريخياً طارئاً ، له بداية ونهاية .

 أمّا مواقف تحريم التصوير عند المسلمين فهى تمثّل  اتجاهاّ يختلف ظهوره  باختلاف الأقاليم والمذاهب ، زماناً ومكاناّ ، مع العلم بأنّ تحريم الصور لم يقتصرعلى الإسلام  وحده ، أو على فترة تحطيم الصور المسيحية فى مطلع القرن الثامن ، بل هى ظاهرة عمّت العالم كله . 

والواقع أنّ ظاهرة تحطيم الصور لم تكن عن عداء للفن ، بل قصدت منه محاربة الصور ذات المضمون الدينى ، و بقيت تُنتج الصور الزخرفية حتى فى أصعب لحظات الاضطهاد  ، و من المعروف أنّ حركة تحطيم الأيقونات ،  تشير إلى فترة تاريخية فى حياة الكنيسة بدأت من سنة (730م) إلى سنة (842 م)  . 

حيث عاشت الكنيسة مرحلة الاختلاف في  مدى شرعية تقديس وتبجيل  الأيقونات ،  فى أجزاء مختلفة من الإمبراطورية البيزنطية ، بداية من فترة حكم الإمبراطور ليو الثالث ، الذى انتهج سياسة إزالة الأيقونات من الكنائس الأرثوذكسية ، ثم تدمير وتحطيم هذه الأيقونات ، و حرقها ، أو طلاء الكنائس بطبقة باللون الأبيض  .

 وفى  سنة (754م) عقد الإمبراطور قسطنطين الخامس (741 – 775م) مجلساً فى  القسطنطينية، حضره  ثلاثمائة وثمانية وثلاثون من رجال الدين ، ولم  يشارك فى هذا المجلس أحد من كراسى روما وأنطاكيا ، وأورشليم ، والإسكندرية ، وقرر المجلس اعتبار من يعبد الأيقونات عدواً للدولة ، وحقّت محاكمته .

 وبعد تولى الإمبراطورة إيرينى الحكم ، دعت بمعونة البطريرك تارازيوس إلى عقد المجمع المسكونى السابع ، فى القسطنطينية عام (786م) ، الذى حضره مندوبون من قبل البابا هادريان الأول  .

 غير أنّ كتائب الجند المؤيدة  لسياسة اللاأيقونية هجموا على أعضاء المجمع ، الأمر الذى دعاهم إلى الهرب ، و لكنّ الإمبراطورة  إيرينى  نجحت  فى  طرد  العناصر المعارضة  لسياساتها ، من صفوف الجيش ثم  تابع المؤتمر جلساته فى  سنة (787م)   فى نيقية .

 وعُقدت الجلسة الختامية للمجمع المسكونى  السابع  فى القصر الإمبراطورى فى مدينة القسطنطينية ، و تقرر فيه تبجيل الأيقونات  و مما ورد  فى هذا المجمع  " و لكننا فى تكريمنا و سجودنا للأيقونات ، لا نسجد للألوان ، و لا للخشب ، أو غير ذلك من المواد المصنوعة منه .

 ولكن نمجد بالتكريم الكائنات المقدسة التى تمثّلها هذه الأيقونات ، فنتصور حضورهم بأذهاننا ، كأننا نراهم بأعينن ا، و أننا نطلب المعونة  من الله و القديسين ، و لكن  ليس بإسلوب واحد..... .

 ويُعّد المؤرخون  المحدثون  فترة  حكم  ليون الرابع سنة (775 -780 م) ، بمثابة فترة انتقال من عصر اللاأيقونية وعصر عودة الأيقونية  ، أمّا الألمان فقد مالوا وخاصة الملك شارلمان إلى عدم استعمال الأيقونات  .

 وعقدوا مجمعاً فى فرانكفورت سنة 794م  ،  أدان مجمع نيقية  الثانى الذى صرح  بإستعمال الأيقونات ، لكنّ الكنائس التى  كانت تحت الحكم  الإسلامي  فى الشرق  أعلنت  رفضها لهذه الحركة ، وحرصت على التأكيد أنّ الكنيسة التى  بلا رهبان ، أو أيقونات ، تكون منشقة عنها . 

 وعندما تولى نقفور الأول (802 -  811م)  كان كارهاً لعبادة الأيقونات ، وأعاد الحظر القديم عليها واضطهد  الأيقونيين ، وفى عصر ميخائيل الأول (811- 813م)  الذى ينحدر من سلالة يونانية ، صار متعاطفاً مع أنصار الأيقونات .

 وأثناء حكم ليون الخامس  (813 - 820م)  وهو أرمنى الأصل  ، اتّبع سياسة معتدلة ومحايدة ، تهدف  إلى إرضاء الأيقونيين واللاأيقونيين ، فأمر بالإبقاء على الصور والتماثيل والأيقونات ، بشرط أن تُعلّق عالياً ولا تصل إليها أيدى المتعبدين . 

 فجاءت سياسته عكس ما توقع حيث سادت الفوضى ، وأعمال الشغب الإمبراطورية ، ورأى أعداء الأيقونية أنّ الإمبراطور خان الأمانة ، فانطلقوا يحطّمون  التماثيل المقدسة ، ويحرقون الصور والأيقونات ، وإضطر الإمبراطور إلى هجر سياسة المصالحة ، وتبنى سياسة الاضطهاد ضد أنصار الأيقونية .

 وبعد مقتله جلس على العرش ميخائيل الثانى  (820- 829) ، وهو ينتمى إلى سلالة آسيوية عرف باسم العمورى ، وكان معادياً لعبادة الأيقونات ،  ثم تولى ثيوفيلوس (829- 842م) الذى اشتد فى  مقاومة  الأيقونات ، وأصدر قراراً سنة (832م)  بمنع عبادة الصور ، وحذف كلمة مقدس التى تسبق كل قديس .

 ثم حكمت ثيودورا كوصية على ابنها ميخائيل الثالث (842 – 856م)  لمدة أربعة عشر عاماً ، قبل تسليمها الحكم لابنها ، فنصرت الأيقونيين ، وأوعزت إلى البطريرك الجديد لعقد مجمع كنسى فى نيقية سنة (843م) .

أسفرت قراراته عن عودة عبادة الأيقونات ، وأقر المجلس شرعية تصوير الرسل والأنبياء والملائكة بالشكل الإنسانى داخل الكنائس ، على أن تكون صوراً  ليس لها ظل ، أى غير مجسمة ، أو مصنوعة من حجر،  أو أى مادة صلبة . 

وقد فُسّرت دوافع الذين حرّموا الصور الدينية عدة تفسيرات، منها أنه نتيجة لتأّثر الرجال الذين ارتقوا سلم السلطة فى الإمبراطورية الرومانية بالتراث الدينى لدى شعوب الشرق الأوسط مثل المسلمين واليهود .

وثمة رأى أخر يرى أنّ أباطرة القرن الثامن أرادوا زيادة سلطة الدولة البيزنطية ، حيث وجدوا أنّ الشعبية التى يتمتع بها الرهبان البيزنطيون سوف تكون عقبة فى طريقهم ، وأنّ الأيقونات المحفوظة فى الأديرة " قادرة على صنع المعجزات " هى التى أكسبتهم هذه الشعبية ، فكان ضرورياً إعادة إحياء السلطة الإمبراطورية ، من خلال سياستهم ضد الأيقونات .

وقد جسّد البابا جريجورى الكبير موقف الكنيسة الغربية ، من مسألة وضع الصور فى الكنيسة ، بالرغم من رفضه فكرة أن تكون للصورة الكنسية أية قوى إعجازية ، فإنه مع ذلك كان يدافع عن استخدامها ، كوسيلة تثقيف وتعليم ، فى الإرشاد الدينى . 

كما دافع " مارتن لوثر " زعيم البروتستانت عن الأيقونات :  بقوله من هوذاك الذى بلغ به العمى إلى هذا الحد ، حتى يرى أنه من الخطأ  تصوير الحوادث  التاريخية  المسيحية ، و نقشها ، و وضعها فى البيوت و الهياكل المقدسة ؟

  أنا لا أرى خطأً فى  ذلك ، إنه مسموح لكل مسيحى  أن يتخذ صور القديسين ، لأنها حروف هجائية تذكّرنا بالمرسومين عليها ، وتشخّصهم لنا . 

 ولكنّ السيدة " بتشر " تذكر أنّ البابا كيرلس الرابع عندما شيّد  الكاتدرائية الجديدة  لم يسمح  بنقل الأيقونات الموجودة  بالكاتدرائية  القديمة ، وجمعها  كلها وحرقها باحتفال كبير أمام جمع عظيم من الناس .

 وأشار بيده إلى كوم الحريق ، وقال " إنظروا لهذه الصور الخشبية التى تعودتم احترامها لدرجة العبادة ها هي  صارت  رماداً لا تنفعكم ، ولا تضركم ، فالله وحده هو الذى يستحق العبادة والسجود " .

غير أن البعض  يُنفى هذا الأمر ، ويُضيف أنّ حرق الأيقونات كانت توجد فى الكنيسة القبطية ، ولكن لعمل الميرون المقدس ، حيث تستخدم الأيقونات الخشبية المتهالكة والقديمة البالية كوقود .

الذى يستلزم حرقها عند عدم استعمالها ، حرصاً على كرامة هذا السر حسب الطقس القبطى ، وهذا ماحدث فى زمن البابا بطرس الجاولى (109 فى العدد) ،  وربما إستغلوا هذه الواقعة ، ونسبوها إلى البابا كيرلس الرابع .


author-img
نشأت للمعلومات التاريخية والأثرية

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent